تحليل إخباري: هل تستطيع أوروبا الحفاظ على مرونة اقتصادها وسط الأمواج المتلاطمة في عام 2017؟

بروكسل 14 فبراير 2017 / إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتنصيب دونالد ترامب يلقيان بظلالهما على آفاق النمو الاقتصادي في أوروبا. تلك هي الرسالة الواردة من المفوضية الأوروبية والتي نقلت آفاقا حذرة بشأن أوروبا للأشهر الـ12 المقبلة.

فقد تنبأت المفوضية بأن يستمر الانتعاش الاقتصادي في أوروبا، قائلة إن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو سينمو بواقع 1.6% في العام الجاري و1.8% في العام المقبل. وإن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي ككل ينبغي أن يتبع نمطا مماثلا ومن المتوقع أن يصل إلى 1.8 في المائة في العام الجاري والعام المقبل.

ولكن فترة التنبؤ تغطى أعوام 2016 و 2017 و 2018 التي تتزامن مع عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي ستطلقها المادة 50 في غضون أسابيع قليلة.

ولا يزال من غير المعروف ما إذا كانت بريطانيا ستختار في النهاية "خروجا صعبا"، خروجا من شأنه أن يخرجها من اتحاد السوق والجمارك الموحد، في الوقت الذي تلوح فيه أيضا علامة استفهام في الأفق بشأن الموقف التفاوضي للاتحاد الأوروبي.

ولابد من أن توضع عوامل أخرى بما فيها وجود ترامب غير قابل للتنبؤ في البيت الأبيض وانتخابات في فرنسا وألمانيا، داخل المعادلة. والنتيجة تفيد بأن الآفاق الاقتصادية تحيط بها شكوك أكبر من المعتاد"، على حد قول المفوضية.

ومن جانبه، ذكر فالديس دومبروفسكيس نائب رئيس الحوار الأوروبي والاجتماعي ، وهو أيضا المسؤول عن الاستقرار المالي والخدمات المالية واتحاد أسواق رأس المال، أنه "في ظل هذه الأوقات المشوبة بعدم اليقين، من المهم أن تحافظ الاقتصادات الأوروبية على قدرتها التنافسية وتكون قادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. وهذا يتطلب استمرار جهود الإصلاح الهيكلي، ونحن بحاجة أيضا إلى التركيز على النمو الشامل، وضمان وصول الانتعاش للجميع".

ومع تزايد التضخم، لن تستمر الحوافز النقدية الحالية للأبد، هكذا ألمح فالديس، مضيفا "لذلك، ينبغي على البلدان المسجلة لعجز كبير ومستويات ديون مرتفعة مواصلة السعي لخفضهما لكي تصبح أكثر مرونة أمام الصدمات الاقتصادية".

وشاطره الرأى بيير موسكوفيتش مفوض الشؤون الاقتصادية والمالية والضرائب والجمارك، الذي أشار إلى أنه رغم كل الصدمات التي تعرض لها نمو منطقة اليورو، إلا أنه مازال متماسكا والعجز يتجه إلى الانخفاض.

وقال "ولكن مع وقوف حالة عدم اليقين عند هذه المستويات العالية، فإن استخدامنا لجميع الأدوات السياسية لدعم النمو بات مهما أكثر من أي وقت مضى".

ومن المقرر أن يبدأ تطبيق المادة 50 بحلول نهاية مارس، ما يمهد الطريق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في غضون إطار زمني مدته عامان. بيد أن بيتر كرامر المحلل البارز في بروكسل قال إن هؤلاء الذين توقعوا نهاية العالم الاقتصادي إذا ما صوت البريطانيون لصالح الخروج في 23 يونيو من العام الماضي "كانوا خاطئين".

وبالنسبة لبريطانيا، ذكرت المفوضية أنه رغم المرونة التي شهدها النصف الثاني من عام 2016، إلا أن النمو الاقتصادي من المتوقع أن يصبح معتدلا في عام 2017 ويزداد ضعفا في عام 2018.

وأضافت أن "الحقيقة تفيد بأنه رغم كل التوقعات المتشائمة والقاتمة، إلا أن بريطانيا في عام 2016 كانت أسرع الاقتصادات المتقدمة الكبرى في العالم نموا وتفوقت بسهولة على اقتصادات مجموعة السبع الأخرى".

وذكرت أنه "بفضل تسجيل ربع أخير أقوى من المتوقع، حققت بريطانيا نموا سنويا نسبته 2 في المائة في عام 2016، صحيح أنه أدنى من الـ2.2% المسجلة في عام 2015، ولكنه مازال كافيا للتغلب على اقتصادات كبرى أخرى. وكان أكبر محرك في هذا الصدد هو قطاع الخدمات، وبالأخص الصناعات التي يوجهها المستهلك مثل مبيعات التجزئة والسفر. وليس هناك تأثير للخروج، فعلى الأقل لا يوجد تأثير سلبي".

وردا على توقعات اللجنة الصادرة في شتاء 2017، ذكر جيمس واتسون المدير الاقتصادي في مؤسسة ((بيزنيس يوروب))، وهي جهاز المظلة للأعمال التجارية الأوروبية أن "توقعات اللجنة في شتاء 2017 تقدم مزيدا من الأدلة على أن الانتعاش الاقتصادي للاتحاد الأوروبي يكتسب قوة ببطء. ولكن النمو مازال يدعمه عدد من العوامل المؤقتة، ولا سيما البرنامج الموسع لشراء الأصول الخاص بالبنك المركزي الأوروبي وسعر صرف فعلي منخفض لليورو.

وأشار واتسون إلى أن "الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتكثيف تنفيذ الإصلاحات الهيكلية من أجل تحسين آفاق النمو الكامنة و(الحفاظ) على الانتعاش".

وبطبيعة الحال، مازالت اليونان وعللها الاقتصادية المستمرة تلوح بصورة كبير في افق اقتصاد منطقة اليورو.

فالمراجعة الثانية التي جرت مؤخرا لبرنامج التكيف الاقتصادي الخاص باليونان والموافقة على تقديم مزيد من الدعم المالي لأثينا، والمؤلف من حوالي 86 مليار يورو (90.9 مليار دولار أمريكي) تسبب في غضب بعض الشخصيات ومن بينهم هانز أولاف هنكل عضو البرلمان الأوروبي المنتمي ليمين الوسط في ألمانيا.

أما جاليز ميريت مؤسس مركز (أصدقاء أوروبا) البحثي الرائد ومقره بروكسل فقد قال إنه عند استشراف المستقبل نجد أن عيد الميلاد الستين للاتحاد الأوروبي هذا الربيع ينبغي أن يكون لحظة ذهبية للاتحاد ليتشمس في انجازاته.

ولكن الواقع البارد يوضح أن القمة المقرر عقدها في روما قد تكشف عن انقسامات أوروبا وجمودها، ولاسيما بشأن اليورو، هكذا حذر جاليز.

وفي الواقع تخاطر القمة، التي وصفت بأنها خارطة الطريق لتأمين الاتحاد الاقتصادي والمالي والسياسي حتى 2025، بكشف "الحجم الحقيقي للانقسام الأوروبي".