بقلم تشن لي، سفير الصين لدى فنلندا
مازلت أذكر إلى الآن أول هاتف نوكيا إشتريته. لاحقا، إستعملت عدة هواتف أخرى، لكن رغم تعاقب أجيال الهواتف الذكية، مازالت إلى الآن أحد المعجبين بهواتف نوكيا، وتلك النغمة التي رافقتني لسنوات عديدة. وفي عام 2016، حينما عُينت سفيرا في فنلندا موطن شركة نوكيا. وحينما جئت إلى هنا، إكتشفت بأن فنلندا التي لا يعرف عنها عامة الناس غير هواتف نوكيا والبابا نوال، هي في الحقيقة دولة تثير الإعجاب بتصدرها دول العالم في عدة مؤشرات عالمية، مع أنها بلد لا يتجاوز عدد سكانه 5 ملايين نسمة. مثلا، تتصدر فنلندا دول العالم على مستوى مؤشرات حماية البيئة، والأمن والتعليم وكفائة القوى العاملة والوعي الإبتكاري....مايجعل هذه الدولة الواقعة شمال أوروبا تتمتع بسحر فريد.
تعد فنلندا إحدى أولى الدول الغربية التي إعترفت بالصين الجديدة. حيث زار رئيس البرلمان الفنلندي في بداية خمسينات القرن الماضي الصين، ليفتتح التبادل رفيع المستوى بين البلدين. كما كانت فنلندا أول دولة غربية تمضي إتفاقية تجارية حكومية مع الصين، كما كانت أول مشاركة للوفد الأولمبي الصيني في أولمبياد هيلسنكي. بعد ذلك، شهدت علاقات الصداقة بين البلدين تطورا سريعا.
وخلال السنوت الأخيرة، تقدمت وتيرة العلاقات الصينية الفنلندية بنسق أسرع. حيث تزايدت الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، وباتت المبادلات التجارية أكثر سهولة وإنفتاحا، كما تعززت التبادلات البشرية والثقافية. وترحب فنلندا في الوقت الحالي بالسائحين الصينيين والإستثمارات الصينية المتزايدة. كما أدرجت اللغة الصينية في برامج بعض المدارس والمعاهد الثانوية الفنلندية، وتحظى بإقبال كبير. من جهة أخرى، يوجد تكامل بين إستراتيجيات التنمية في البلدين وتكامل على مستوى القطاعات الصناعية والتقنية. حيث تمتلك فنلندا تقنيات وأفكار متقدمة في مجالات حماية البيئة والإبتكار التكنولوجي والتعليم ورعاية المسنين، في المقابل يمتلك الجانب الصيني وفرة نقدية وسوق كبيرة، وهو مايعكس الإمكانيات الكبيرة للتعاون بين الجانبين. وفي إطار تسلم فنلندا رئاسة محلس القطب الجنوبي، في مايو القادم، من المتوقع أن يعزز الجانبان التعاون في شؤون القطب الجنوبي. في ذات الوقت، ستكون الأولمبياد الشتوية 2022 ببكين، فرصة جديدة لدفع التعاون بين البلدين.
في ظل التغيرات العميقة التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، يستقبل العالم فرصا وتحديات في الآن نفسه. ويوجد بين الصين وفنلندا عدة قواسم مشتركة على مستوى الإدارة العالمية، لرفع الطاقة الإيجابية في ظل التغيرات التي يشهدها الإقتصاد العالمي والنظام الدولي.
يصادف عام 2017، مرور مئة عام على إستقلال فنلندا، وعلى إثر الدعوة التي وجهها له الرئيس الفنلندي نينيستو، سيؤدي الرئيس الصيني شي جين بينغ بين 4 و6 أبريل الجاري، زيارة إلى فنلندا. وكانت آخر زيارة لرئيس صيني إلى فنلندا قبل 22 سنة، كما تعد أول زيارة يقوم بها شي جين بينغ إلى دول الإتحاد الأوروبي هذا العام. مايعكس الرغبة القوية من الجانبية في دفع العلاقات الثنائية. وكان البلدان قد توصلا في 2013 إلى إجماع حول تأسيس نمط جديد من الشراكة. ونثق بأن زيارة الرئيس الصيني إلى فنلندا ستوسع مجالات التعاون البراغماتي بين البلدين، وترفع مستوى العلاقات الثنائية وتدفع بها إلى آفاق مستقبلية أرحب.
ويمكن القول ان العلاقات الصينية الفنلدية تقف على نقطة جديدة من مسيرة الصداقة الطويلة، ستتعزز بإستمرار بفضل الدفع القوي من قادة البلدين.