دخلت إيران في اضطرابات شعبية هائلة ومظاهرات عارمة الأسوأ من نوعها منذ نحو 10 سنوات في الوقت الذي يحتفل فيه العالم كله لاستقبال دخول السنة الجديدة 2018. وقال الرئيس الإيراني، حسن روحاني في خطابه الى الشعب ليلة 31 ديسمبر أن إيران دولة حرة، وأن الشعب له الحق في التعبير عن انتقاداته واحتجاجاته حول القضايا الاجتماعية، غير أنه لا ينبغي تدمير الممتلكات العامة، ولا التجمعات غير القانونية، وسيواجه المشاغبون عقابا شديدا. ووفقا لمصادر مختلفة، بلغت حصيلة قتلى الاضطرابات حتى ليلة 1 يناير ما لا يقل عن 12 شخصا، واعتقال 500 شخص.
وتأتي الاضطرابات السياسية والاجتماعية المفاجئة في إيران خارج نطاق توقعات المراقبين الدوليين، حيث شهدت العلاقات الايرانية مع العالم الغربي تحسنا بشكل كبير بعد اتفاق إيران النووي لعام 2015، ووُصفت طهران بشكل متكرر بأنها "المنتصر" لتوسيع نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
كما وصفت صحيفة الجارديان البريطانية الازمة الأخيرة في الشرق الأوسط في يوم 1 يناير:"مثل الطيور الجارحة فوق الصحراء، يراقب العديد من اعداء ومنافسين إيران شوارع طهران ومدن ايرانية أخرى عن كثب، آملين أن تؤدي الاضطرابات الى انهيار النظام." غير أن الصحيفة حذرت " أعداء إيران": " من الحكمة ألا نتطلع الى التغيير السياسي في إيران، لأنه سيؤدي الى التوترات في المنطقة، لا تؤثر على العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية فحسب، ولكنها قد تؤثر على تركيا وروسيا أيضا.
صعوبات انتعاش الاقتصاد
يكمن السبب الرئيسي وراء الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية في إيران الى تدهور الوضع الاقتصادي وتزايد ظروف الحياة الصعبة. ووفقا للبيانات الرسمية، بلغ معدل البطالة في إيران أكثر من 13٪، ومعدل البطالة بين الشباب أكثر من 40٪. وفي النصف الثاني من عام 2017، تجاوز معدل التضخم في إيران 13٪، وفي الأيام الأخيرة، أدى تفشي مرض انفلونزا الطيور إلى ارتفاع أسعار البيض، ولحوم الدواجن وغيرها من الضروريات مرة واحدة ب 30٪ -40٪، تحول الى إلى مظاهرات وأعمال عنف.
ومع ذلك، كان لدى الايرانيين آمال كبيرة في الاقتصاد المحلي قبل عامين. في يوليو 2015، بعد التوصل الى " اتفاق تاريخي" حول القضية النووية الايرانية الذي دام عشرة سنوات، توافد الإيرانيون الذين عانوا من العقوبات الاقتصادية الى شوارع طهران للاحتفال بهذا الاتفاق، وتضاعفت صادرات إيران من النفط تقريبا. ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد في إيران في عام 2017 من 1.3٪ إلى 4٪ -5.5٪.
وعلى الرغم من أن الاتفاق النووي سمح لإعادة انتعاش صناعة النفط الايرانية، ومع ذلك، انخفاض في اسعار النفط العالمية لم يمكّن إيران من تحقيق ارباحا كبيرة. لذلك، فإن اندلاع المظاهرات في إيران هو نتيجة التناقضات المحلية المتنوعة التي أثارتها الصعوبات اقتصادية.
في الواقع، لم ينجح الاتفاق النووي الإيراني في رفع جميع العقوبات. كما لم تتغير العلاقات بين الشركات الدولية وإيران تماما بإبرام الاتفاق النووي، بسبب العقوبات الأمريكية من جانب واحد حول انتهاكات حقوق الإنسان، دعم الارهاب والصواريخ الباليستية. وفي وقت سابق، عرقل الكونجرس الامريكي صفقة بيع الطائرات لإيران من شركة "بوينغ".
النزاعات بين الاحزاب
قال النائب الأول للرئيس الايراني إسحق جهانكيري، إن الأحداث وقعت في البلاد بذريعة مشكلات اقتصادية، لكن يبدو أن هناك قضايا أخرى في الكواليس. حيث يعتقد أن معارضي الرئيس الذين تسببوا في المسيرات قد يكونون من بدأوا الاحتجاجات لكنهم فقدوا السيطرة عليها في وقت لاحق. وذكرت صحيفة طهران تايمز الايرانية على صفحتها الاولى أنه وفقا لمصادر مقربة من أجهزة الامن الايرانية، تم اعتقال أكثر من 500 شخص واعترف أكثر من 80٪ منهم بأنهم تلقوا أموالا وتعليمات من دول خارجية لتنظيم مظاهرات مستغلين ارتفاع اسعار ومعدلات البطالة في إيران.
كما ظهرت التناقضات المتعددة في إيران على السطح. وتعتقد بعض وسائل الإعلام الغربية أن المحافظين الايرانيين وراء الاحتجاجات بهدف الضغط على المرشد الاعلى خامنئي، ويضطر الرئيس الايراني الحالي الى الاستقالة في نهاية المطاف.
أولا، ظهرت الاحتجاجات في مشهد المدينة المقدسة الشيعية، ومسقط راس المرشد الاعلى خامنئي. كما أن خرسان هي واحدة من معاقل المحافظين الايرانيين، الى جانب التغيير في طبيعة المظاهرات، فسر المحافظون على أنها اطاحة بنظام روحاني بهدف الاحتجاج على سلسلة تدابير الاصلاح الاخيرة التي قام بها روحاني، بما في ذلك اعادة بدء عملية الخصخصة الجماعية والامتناع على التدقيق في اتداء الحجاب في طهران وغيرها من السياسات الاخرى. ومع ذلك، ولأي سبب من الاسباب، تواجه إيران في الوقت الراهن مهمة عاجلة في حل المشاكل الاقتصادية والقضايا المعيشية للشعب، وتحقيق السلام في الداخل.