بقلم/ هوا لي مينغ، سفير الصين السابق لدى ايران
ونحن على وشك أن نطوي آخر صفحات عام 2017، لا يزال الشرق الاوسط يواجه لعبة الدول المحلية والأجنبية، ويظهر وضعا جديدا في الشؤون الداخلية والدبلوماسية. من الناحية الموضوعية، فإن كسر النمط " المهيمن الوحيد" الذي كان يسود المنطقة لتحقيق الاستقرار، وعدم تمكن أي من البلدان الرئيسية الاخرى ملء مكانة الولايات المتحدة، أدى الى تحرك المنطقة نحو وضع متعدد الاقطاب.
تاثير تصاعد ايران بعيد المدى. أعادت ايران الدولة الاسلامية غير العربية رسم خريطة الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الاوسط باقترابها الى حافة القوة النووية في القرن الحادي والعشرين، وتوقيع اتفاقية نووية مع الدول الست الاولى في العالم، واقامة تحالف مع حزب الله والعراق وسوريا ولبنان، ووصولها الى الحدود الاسرائيلية. وقد أثار ذلك قلق السعودية واسرائيل. كما أن تحالف بين نظام بشار الاسد السوري وإيران هو السبب العميق وراء الحرب السورية التي استمرت ست سنوات، وليست الاضطرابات في الشرق الاوسط فحسب.
بدخول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أصبحت الحرب السورية والتناقضات السعودية-الايرانية الخبر الرئيسي الأكثر قراءة في الشرق الأوسط، وتهمشت أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وحولت اسرائيل وجهة انتباهها الى إيران معتبرة الاخيرة عدوها الاول. كما أدى تصاعد المخاوف السعودية من إيران مع اقتراب الحرب السورية على نهايتها إلى نشوء " تحالف غير مقدس" يتضمن اسرائيل والدول المعادية لايران مثل السعودية. وتجاوز النزاع بين السعودية وإيران النزاع بين الطائفتين السنية والشيعية ليصبح نزاع المصالح الجيوسياسية.
وفي الأيام الاولي من الحرب السورية، تورطت تركيا مع الولايات المتحدة والسعودية للاطاحه بالرئيس السوري بشار الأسد، ولكن بعد محاولة الانقلاب التي تعرضت لها في 2015، ابتعدت تركيا بعيدا عن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي للاقتراب من روسيا وإيران. واصبحت التناقضات بين المعسكرين والأنماط المتعارضة في الشرق الأوسط أكثر وضوحا في عام 2017.
كما دعمت روسيا إيران ونظام باشر الاسد بتدخلها العسكري المباشر في سوريا باسم مكافحة الارهاب في عام 2015. وخلقت الحرب السورية فرصة لروسيا التي لم تهدء من ضغط الولايات المتحدة على الفضاء الاستراتيجي في غربها لتعود بقوة الى الشرق الاوسط ومعادية الضغط من الولايات المتحدة، مما أجبرت الاخيرة على التخلي عن جزء من الأراضي السورية وتحول تركيا من عدو الى صديق. كما أدى ذلك الى تغيير السعودية نمط علاقة القوة العظمى الذي يعتمد مطلقا على الولايات المتحدة اقتصاديا وأمنيا. حيث قام ملك السعودية بزيارة روسيا هذا العام بالرغم من خلاف السعودية مع روسيا حول قضايا ايران انووية وسوريا. ويعتبر تحسين العلاقات بين السعودية وروسيا استعدادا لرسم نمط متعدد الاقطاب في الشرق الاوسط. وبات دور روسيا لا بديل له في المنطقة.
وراء المعسكرين الولايات المتحدة وروسيا، وساحة المعركة الرئيسية سوريا واليمن. ولا تريد الدول الاقليمية القتال مباشرة، ولكن الحرب بين العملاء مستمرة. وعلى الرغم من ان روسيا والولايات المتحدة لديهما مصالح مشتركة في مكافحه تنظيم "الدولة الاسلاميه"، إلا أنه مع القضاء التدريجي على الاخير ستطفوا التناقضات التي لم تحسم بين الجانبين بعد. كما أن اليمن الذي تسيطر عليه جماعة الحوثيين المسلحة ورقة بايدي السعودية وإيران، لن يستسلم اي من الطرفين بسهولة.
يكاد ترامب ان يقلب سياسة سلفه في الشرق ااوسط بعد ان دخل البيت الابيض. حيث اختار في أول زيارته الخارجية بلدين من الشرق الاوسط هما السعودية واسرائيل اللذان تجاهلهما اوباما. وبعد سته أشهر، أعلن ترامب انه يريد تغيير الصفقة النووية الايرانية، مشيرا إلى إيران بأنها "دوله مارقه" تدعم الإرهاب، وأعلن مؤخرا عن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمه لإسرائيل.
كما لم يقدم ترامب بيانا مهجيا عن سياسته في الشرق الاوسط، إلا أن عشرة أشهر في البيت الابيض اظهرت أن سياسته في الشرق الاوسط ليست إلا المحافظة الجديدة للجمهوريين، وانما انكار جذري والذهاب الى الطريق الشعبوي.
ولا يمكن القول ان ترامب يدفع استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، لكنه يبحث عن وسيلة للخروج من محنته الداخلية الخاصة. وسيكون 2018 عام الانتخابات النصفية للكونغرس الامريكي، وحفاط الحزب الجمهوري على الاغلبية في كل من مجلسي الكونغرس أم لا، يتعلق مع مكانة ترامب السياسية في السنوات الثلاث المقبلة. وأن الطريقة الأكثر أهمية لحل هذه المعضلة هي تعزيز الاصوات التي وصلته الى البيت الابيض في عام 2016، والوفاء بوعود الحملة، ارضاء اللوبي اليهودي، وهذا بحاجة الى ابداء عدائه لايران ويقظا لاسرائيل.