مع بداية العام الجديد شهدت العلاقات بين قطر والدول المقاطعة لها مناكفات جديدة. حيث اتهمت الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتية في 16 يناير الماضي قطر بقيامها بإعتراض طائرة ركاب بطائرة حربية. وقالت بأنها ستتقدم بشكاية في الغرض إلى المنظمة الدولية للطيران المدني. في حين نفت قطر الإتهامات الموجهة إليها، وقالت إن الادعاءات الإماراتية "لا أساس لها من الصحة". ولم تعلق شركة الطيران المعنية على هذا الأمر إلى الآن.
قبل ذلك، قدّمت قطر للأمين العام للأمم المتحدة شكاية اتهمت فيها الإمارات بإختراق مجالها الجوي في 21 ديسمبر من العام الماضي. ويرى محللون بأن قطر تعمل من خلال سلسلة من التحركات المتتالية على إظهار موقفها الصلب في الحفاظ على السيادة والكرامة؛ في ذات الوقت، يبدو جليا بأن طرفي الصراع لن ينجحا في معالجة الخلاف على المدى المنظور، وهو ما يطيل في أمد الأزمة ويزيدها تعقيدا.
في هذا الصدد، قال المتحدث بإسم الخارجية القطرية في 10 يناير الجاري "أن قطر ستعمل على فك الحصار من خلال المحكمة الدولية". و"أن مختلف خيارات فك الحصار ستكون مطروحة".
في الواقع، منذ اندلاع أزمة قطع العلاقات مع قطر، أجرت الكويت وأمريكا وتركيا وغيرها من الدول محاولات للوساطة، لكن جميعها لم تحقق أي تقدم. كما أبدت قطر في عدة مرات "تلميحات ايجابية" نحو جيرانها، واعلنت عن رغبتها في الحوار، لكنها لم تحصل على تجاوب. وبذلك أصبح تدويل هذه القضية الإقليمية، سلاح قطر في إختراق الحصار المفروض عليها من عدة أطراف.
"القبضة المركبة" في اختراق الحصار
تعتمد قطر "قبضة مركبة" من الآليات السياسية والإقتصادية لإختراق جدار الحصار. حيث دفعت الضرورة دولة قطر إلى إعادة صياغة انتشارها الإستراتيجي وشبكتها الإقتصادية والتجارية بشكل شبه كامل.
على المستوى السياسي، قام أمير قطر في نهاية عام 2017 بجولة في غرب إفريقيا شملت 6 دول. ومهّد الطريق للتعاون الثنائي في قطاعات النقل الجوي، والرياضة وأمن الأغذية، وغيرها من المجالات المهمة.
أما على المستوى الإقتصادي، فتعمل قطر في الوقت الحالي على دفع الروابط الإقتصادية والتجارية مع عدد من الدول خارج منطقة الخليج، وتعزيز إستقلاليتها الإقتصادية، للتخلص من إعتمادها على السعودية وغيرها من الدول الخليجية. وقد وضعت قطر في هذا الجانب مخططا نظاميا، مثل إعفاء مواطنو 80 دولة من الأتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية وآسيا (بما في ذلك الصين) من تأشيرة الدخول. وفتح طرق الإمداد الجوي بالأغذية من تركيا وإيران، وفتح خط جوي جديد لإدخال مواد البناء من عُمان. كما إفتتح ميناء حمد مؤخرا خطين بحريين جديدين يصلان البحر الأبيض المتوسط وشرق آسيا وجنوب شرق آسيا. وتخطط قطر لفتح المزيد من الخطوط الجوية الدولية الجديدة، حيث أسهم تخليها عن الإعتماد على الموانيء الأخرى في تخفيض كلفة النقل بهامش كبير.
في بداية العام الحالي، صادقت الحكومة القطرية على قانون الإستثمار الأجنبي. الذي يسمح للمستثمرين الأجانب بتأسيس شركات برأسمال مستقل داخل قطر. ورغم أنه من غير المعلوم موعد دخول هذا القانون حيّز التنفيذ، إلا أن هذا الإصلاح الكبير يمثل سابقة نادرة في منطقة الخليج.
فقدان الثقة الخسارة الأكبر
في الحقيقة إن الأزمة الحالية تمثل خسارة مزدوجة للطرفين. حيث ستستمر أزمة قطع العلاقات في التأثير على العلاقات بين الدول المعنية وعلى داخل مجلس التعاون الخليجي لوقت طويل. ما سيؤثر على قوة تأثير الدول المعنية في المنطقة؛ على الجانب الإقتصادي، تسبب الحصار في خسائر كبيرة لقطاعات النقل الجوي والسياحة والمالية بالنسبة لقطر. ومن الجانب الآخر، خسرت السعودية والإمارات السوق القطرية.
لقد علّقت الأوساط الأجنبية آمالا واسعة على قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الكويت في ديسمبر العام الماضي، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال، حيث لم يتطرق إعلان القمة لأزمة قطر ولو بكلمة واحدة. وهو مايعكس عجز مجلس التعاون الخليجي على التوصل إلى التوافق بشأن الخلافات ذات الصلة، كما يبدو أكثر عدم قدرة على طرح مشاريع حلول ذات فاعلية. إذ تحبذ مختلف الدول الخليجية تغليب مصالحها الذاتية في تحديد اتجاه التنمية وطرق مواجهة المشاكل الأقليمية.
في هذا السياق، علّقت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن الأزمة قائلة، بأن أي تسوية مستقبلية لن تنجح إلا في معالجة الخلاف الحالي. لكن الأثر الأعمق لأزمة قطع العلاقات يتمثل في الشرخ الذي أصاب البيت الخليجي وفقدان الثقة بين الدول المعنية.