بقلم/ عماد الأزرق
القاهرة 27 ديسمبر 2018 /تعد الترجمة جسرا مهما وحيويا للتواصل والتبادل الثقافي والمعرفي والإنساني بين الصين والعرب، بما يوطّد ويرسّخ العلاقات التاريخية بين الجانبين في مختلف المجالات.
ويلعب المترجمون دورا بارزا في نقل الثقافة وتحقيق التواصل الإنساني والفكري بين الشعوب، وتقريب المسافات، ونقل الخبرات والتجارب وتعزيز التمازج الحضاري بين الأمم وخاصة الأمتين الصينية والعربية.
وتشهد حركة الترجمة المتبادلة بين اللغتين الصينية والعربية خاصة في المجال الثقافي، نشاطا كبيرا وملحوظا في الآونة الأخيرة تماشيا مع ما تشهده العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين من تطور حثيث وزخم كبير.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور محسن فرجاني أستاذ اللغة الصينية بجامعة عين شمس "نحن في العالم العربي بحاجة ماسة للاطّلاع على الثقافة الصينية في مختلف مراحلها وأطوارها، خاصة وأنها تزخر بالكثير والكثير من لآلئ الفكر والأدب والعلوم التي يمكننا أن نستفيد منها ونسعى جادّين لسبر أغوارها".
وأضاف فرجاني، لوكالة أنباء ((شينخوا))، "الثقافة الصينية، وخاصة التقليدية منها، قريبة جدا من الثقافة العربية، وتعتمد على النواحي الفلسفية وتقدم القيم الأخلاقية المهمة مثل الفروسية والشجاعة والصدق ومساعدة الآخرين والتعاون وتهذيب النفس ومحاربة الشر".
ولفت إلى أن "العلاقات الصينية - العربية تشهد تميّزا كبيرا في العصر الحديث بفعل مساهمات المترجمين ودارسي اللغة الصينية والعربية في الجانبين، من خلال خلق جيل لترجمة الأدب والإبداعات العربية المختلفة إلى اللغة الصينية".
وتابع "نحن الآن نشرع في ترجمة الأدب الصيني للغة العربية، ولكننا مازلنا في البداية والدور مازال محدودا وعلينا أن نعترف بذلك، ولكننا على الأقل وضعنا أقدامنا على بداية الطريق".
ونوه بأن حركة الترجمة من الصينية إلى اللغة العربية تشهد نشاطا كبيرا في الآونة الأخيرة، وتلقى إقبالا كبيرا من القراء العرب للرغبة الكبيرة في الاطلاع على الثقافة الصينية عن قرب.
وتابع فرجاني "لقد سبق لي الاطلاع على الكثير من الكتب الصينية بلغتها الأصلية قبل أن تتم ترجمتها إلى العربية أو الإنجليزية، ومنها كتاب "ليه تسي في أحضان الطبيعة" أو "الهدوء والسكون"، للفيلسوف الصيني الشهير ليه تسي".
وأكد أن "ترجمة هذا الكتاب للغة العربية بواسطة البروفيسور وانغ يويونغ (فيصل) أستاذ اللغة العربية في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية بالصين، يمثل إضافة مهمة وقوية للمكتبة وللثقافة العربية، خاصة وأنه يعد من أهم الكتب الصينية التي تجمع ما بين الأسطورة والحكمة".
ويتكون كتاب "ليه تسي في أحضان الطبيعة" من ثمانية فصول ويشتمل على 134 مقطوعة من المنثورات الفكرية والقصص التاريخية والحكايات والأساطير تتقصى أخبار الطبيعة، وتتعمق في أفكار هوانغ دي ولاو تسي، وتتميز بجزالة اللفظ ورصانة الأسلوب وبلاغة العبارة وحصافة المعنى.
وتعكس هذه الملحمة العظيمة ما شهده عصر الممالك المتحاربة من فلسفات وأساطير وألوان موسيقية وفنون عسكرية، وحضارات وثقافات وعادات وتقاليد يتجسد فيها ما كانت المدرسة الطاوية تصبو إليه من حرية رحاب روحانية.
يذكر أن المدرسة الطاوية هي تقليد أو فلسفة ذو أصل صيني، وهي تؤكد على العيش في وئام مع "الطاو"، والطاو هو أحد الأفكار الأساسية في المدارس الفلسفية الصينية.
من جانبه، أكد الدكتور إسماعيل عزوز أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، أهمية الترجمة بين اللغات وبعضها البعض، بما يمثله ذلك من إضافة كبيرة للتراث الإنساني والفكري.
وقال عزوز، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن الثقافة والأدب الصيني يعتبر من أهم صور الإبداع الإنساني لما يحتويه من فلسفة عميقة لانتمائه إلى ثقافة عريقة وحضارة عظيمة، توفر لها تجارب ملهمة وأفكار عظيمة لكل مناحي الحياة.
وأضاف أن الثقافة الصينية على الرغم من أهميتها وما قدمته للتراث الإنساني من أعمال عظيمة إلا أننا لم نتعرف منها إلا على القدر اليسير للغاية، ومن خلال ترجمة وسيطة سواء إلى الإنجليزية أو الفرنسية.
وأوضح أن الترجمة عن لغة وسيطة من شأنها أن تفقد العمل الأصلي رونقه وإبداعه، وربما تنحرف به إلى عمل آخر، أما الترجمة المباشرة عن اللغة الأصلية فتكون أكثر دقة.
وأشاد عزوز بالترجمة المزدوجة بين العربية والصينية من خلال مشاركة مترجمين من اللغتين في ترجمة العمل الواحد لضبطه لغويا وأدبيا وفكريا، وضمان نقل النسخة الأصلية بشكل دقيق إلى اللغة الأخرى دون خلل.
وضرب مثلا لذلك بكتاب "أحاديث عن جذور الحكمة"، للمفكر الصيني هونغ ينغ مينغ، الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، والذي قام بترجمته البروفيسور وانغ يويونغ أستاذ اللغة العربية بجامعة شانغهاي.
وأكد أن الكتاب تم ترجمته بدقة كبيرة، ويحمل روح الثقافة الصينية وأخلاقها وآدابها وفلسفتها العريقة، وينقل القارئ العربي إلى عالم مثير من الحكمة والإبداع والثقافة.
ويعدّ كتاب "أحاديث عن جذور الحكمة" من أهم المؤلفات الكلاسيكية ويجمع خلاصة الفلسفة الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية خاصة ما يتعلق بأسرار الحياة والموت وتهذيب النفس والشهرة والثروة والتعايش بين الناس ومهارات التعامل مع العالم والتمييز ما بين الصواب والخطأ، ويعدّ من أروع الأعمال في عصر أسرة مينغ الملكية.