بكين 7 مارس 2022 (شينخوا) حددت الصين مستهدفها للنمو الاقتصادي لهذا العام عند حوالي 5.5 بالمائة، حسبما ورد في تقرير عمل الحكومة المطروح للمداولة خلال الدورة السنوية الخامسة الجارية للمجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني، أعلى هيئة تشريعية في البلاد.
ورغم الضغوط الكبيرة لبسط الاستقرار في جنبات اقتصادها وسط الضغوط النزولية الكبيرة ومخاطر وتحديات شتى في البيئة الاقتصادية العالمية، لا تزال الصين تظهر عزمها للسعي نحو الانفتاح على مستوى أعلى، كما تدفع النمو المستقر للتجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي خلال العام الجاري، بهدف مواصلة تشارك الفرص السوقية والتنموية مع بقية العالم، بما في ذلك الدول العربية والدول التي تشارك في مبادرة الحزام والطريق.
وقد تعوّد محمد الناصر، رجل أعمال أردني يعمل في الصين منذ حوالي عشرين سنة، على متابعة الدورتين السنويتين للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني كل سنة، لكي يطلع على الصورة الشاملة للسياسة والاقتصاد بالصين وخطتها التنموية بشكل عام، وسياسات البلاد بشأن التجارة والانفتاح بشكل خاص.
ومما استرعى انتباه الناصر أن الصين، حسب تقرير عمل الحكومة لهذا العام، ستعمل على الاستفادة من السوقين المحلية والدولية والموارد بنوعيها الداخلي والخارجي بشكل كامل، وتوسيع التعاون الدولي اقتصاديا وتجاريا باستمرار، وتحفيز الإصلاح العميق والتنمية عالية الجودة بالاعتماد على دفع الانفتاح عالي المستوى.
وقال إن "مثل هذه الإجراءات التي تتخذها الصين في هذه السنوات قد سهّلت عمل الشركات الأجنبية ومكّنت شركتنا من الدخول إلى السوق الصينية بمنتهى السلاسة"، مضيفا إلى أنه بدأ أعماله قبل 20 سنة في مدينة ييوو، التي يطلق عليها لقب "متجر العالم للبضائع الصغيرة"، بشرقي الصين، ونمت شركته المتخصصة في التجارة من شركة صغيرة لديها 200 موظف فقط إلى شركة يعمل بها أكثر من 1700 موظف داخل الصين وحوالي 300 موظف خارجها.
ولدى إلقائه الضوء على السبب وراء ذلك، أكد الناصر أن بيئة أعمال شركته "تميّزت بدرجة عالية من الدعم الحكومي الصيني خلال السنوات الأخيرة"، الذي سهّل تطور الشركات التجارية الصغيرة والمتوسطة وخلق فرصا جديدة للتصنيع والتصدير، متوقعا أن تُفتح له وللتجار العرب الذين يتعاملون مع الصين، آفاق جديدة مع تخطيط الصين لبناء المزيد من مناطق التجارة الحرة وتعزيز التجارة الالكترونية العابرة للحدود، حسب التقرير.
ولدى تأكيده رأي الناصر، قال أحمد حامد، رجل أعمال مصري موجود في الصين منذ 15 عاما ومدير شركة للتجارة والتصنيع في مدينة قوانغتشو بجنوبي البلاد، "شهدنا كل التسهيلات الممكنة المقدمة من قبل الحكومة الصينية ومكاتب العمل المنتشرة التي تسهل الإجراءات وسرعتها".
وقد أورد تقرير عمل الحكومة أن الصين ستولي اهتماما بالغا بمساعدة شركات التجارة الخارجية على تلقي الطلبات والمحافظة على الإنتاج، كما ستتحرك بخطوات أسرع لتطوير أشكال ونماذج جديدة للتجارة الخارجية، وإفساح المجال كاملا أمام التجارة الإلكترونية العابرة للحدود، إلى جانب دعم تأسيس مجموعة من المستودعات في الخارج.
جدير بالذكر أن الحجم الإجمالي لتجارة البضائع الصينية نما بنسبة 21.4 بالمائة ليبلغ 39.1 تريليون يوان (حوالي 6.2 تريليون دولار أمريكي) في العام الماضي، مسجلا بذلك رقما قياسيا جديدا؛ بينما ارتفع حجم الصادرات والواردات بين الصين والدول على طول الحزام والطريق بنسبة 23.6 بالمائة، أعلى من نسبة النمو الكلي بمقدار 2.2 نقطة مئوية.
وحسب الخطة المذكورة في التقرير، ستتخذ الصين هذا العام مجموعة من الخطوات للحفاظ على استقرار التجارة الخارجية والعمل على الاستفادة بشكل أكبر من الاستثمار الأجنبي، ودفع التعاون العالي الجودة في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتعميق التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي والمتعدد الأطراف.
وعلى صعيد الاستثمار، ستعمل البلاد على مراعاة التنفيذ الكامل لنظام القائمة السلبية للسماح للاستثمارات الأجنبية بالنفاذ إلى السوق المحلية، وضمان تمتع جميع الشركات ذات الاستثمارات الأجنبية بالمعاملة الوطنية.
وذكر التقرير أن الدولة ستشجع الشركات ذات الاستثمارات الأجنبية على الدخول إلى نطاق أوسع من القطاعات، وتدعم المزيد من الاستثمارات الأجنبية في الصناعة التحويلية المتوسطة والراقية، والبحوث والتطوير، والخدمات الحديثة، مشيرا إلى أن الدولة ستحسن الخدمات لتعزيز الاستثمارات الأجنبية، وتسرع إطلاق مشروعات كبيرة ذات تمويل أجنبي.
وفي هذا السياق، سيتم اتخاذ خطوات ثابتة لتطوير مناطق التجارة الحرة التجريبية وميناء هاينان للتجارة الحرة، وتعزيز الإصلاح والابتكار في مناطق التنمية الاقتصادية، وحفز تنمية مناطق التخزين الجمركي المؤقت المتكاملة، وإطلاق المزيد من التجارب حول الانفتاح الموسع لقطاع الخدمات.
ويرى الناصر أن هذه الإجراءات ستساعد على بناء بيئة صحية للتجارة الحرة، حيث تتميز الصين ببنية تحتية فائقة التطور، ومن ثم فهي نقطة جذب كبيرة للاستثمارات الأجنبية.
وما برحت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية، حيث حافظت التجارة الصينية العربية على نمو مستمر رغم تأثير جائحة كوفيد-19، بينما ازدهر الاستثمار المتبادل بين الجانبين، وتواصل تعميق التعاون الثنائي كما وكيفا في مجال البنية التحتية، كما شكل التعاون والتضافر الصيني والعربي في مكافحة الوباء وحماية أرواح المواطنين نموذجا عالميا، تزامنا مع جهود الطرفين المشتركة لدفع عجلة الإنتاج وإنعاش الاقتصاد في ظل الوباء.
وقال الناصر، إن أعماله لم تتأثر بالوباء كثيرا، بل بالعكس قد زادت بنسبة 60 بالمائة، مشيرا إلى أن سبب ذلك يرجع إلى نجاح التدابير الصينية في احتواء الوباء واستئناف الإنتاج التصنيعي بشكل سريع وتحوله إلى المنصات التجارية الالكترونية الجديدة بتشجيع من السلطات المحلية.
وأكد أن الحكومة الصينية تبذل جهودا مضنية في محاربة الوباء وحققت إنجازات ملحوظة، لذا "كان علينا نحن رجال الأعمال القيام بعبء النهوض بالاقتصاد، ولذلك قمنا بتطوير طرق أعمالنا من التجارة التقليدية إلى التجارة الالكترونية، كما أن هذا سيساعدنا على تطوير حجم أعمالنا لمستويات تفوق التوقعات"، مضيفا "رب منحة في ثوب محنة".
وقال أحمد حماد، إن عزم الصين لتعزيز التجارة الإلكترونية العابرة للحدود يعد خطوة صحيحة ونافعة لتخطي تأثيرات الوباء السلبية على أعمال التجارة، وسيخلق هذا آفاقا جديدة في عالم ما بعد الوباء.