بقلم نجوى كان
بكين 8 يناير 2013 / طرح الرئيس السوري بشار الأسد يوم الأحد في خطاب نادر له، هو الأول منذ يونيو الماضي، مبادرة للحل السياسي من ثلاث مراحل تتضمن وقفا لإطلاق النار يعقبه حوار وطني شامل وميثاق وطني ودستور جديد وحكومة موسعة وبرلمان ثم عفو عام عن المعتقلين جراء الأحداث ودعوة لمصالحة وطنية.
وأكد الأسد أن الصراع في سوريا ليس بين حكم ومعارضة، ولكن بين الوطن وأعدائه، مضيفا أن سوريا تعيش الآن حالة حرب وأن هناك من يسعى إلى تقسيم سوريا وإضعافها. ولفت إلى أن سوريا لن تخرج من أزمتها إلا بحراك وطني شامل، موضحا أن سوريا تقبل النصيحة لكنها لا تقبل الإملاء .
ومن ناحية أخرى، رفضت المعارضة السورية خطة الأسد لتسوية الأزمة ، قائلة إنه لا يمكن الحديث عن حل سياسي دون رحيل الأسد. كما اثارت المبادرة جدلا واسعا في كل أصقاع العالم.
-- خطاب الأسد... تأثير محدود ومغاز إيجابية
يعد هذا الخطاب المرة الأولي التي تطرح فيها الحكومة السورية مبادرة شاملة نسبيا لحل الأزمة القائمة في البلاد منذ 22 شهرا.
وأشار المحللون إلى أن الأسد اختار هذا التوقيت لإلقاء خطابه بهدف رفع معنويات القوات الحكومية وعرض موقف الحكومة الإيجابي بشأن الحل السياسي أمام الشعب السوري، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى يرى لي شاو شيان نائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة أن الأسد يولي اهتماما بالغا بموقف روسيا التي حثت سوريا الشهر الماضي على بدء الانتقال السياسي في أسرع وقت ممكن، ومن هنا يعد خطاب الأسد بمثابة استجابة إيجابية لهذه الدعوة وأيضا استجابة لأنشطة سياسية ودبلوماسية حثيثة تهدف إلى انتشال سوريا من براثن أزمتها الحالية.
وكانت سوريا قد شهدت في الأونة الأخيرة سلسلة من جهود الوساطة، ومن بينها زيارة نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى إيران، ودعم السعودية ومصر للحل السياسي للأزمة السورية، والمباحثات المقرر عقدها الشهر الجاري بين الولايات المتحدة وروسيا، علاوة على زيارة المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي لدمشق مؤخرا ولقائه الأسد من اجل البحث عن حل للأزمة .
وأعرب لي شاو شيان عن اعتقاده بأن الأسد أوضح أيضا بخطابه هذا حدوده القصوى وموقفه الأساسي قبل أية مفاوضات سياسية أكثر تعقيدا في المستقبل، مضيفا أن خطابه مهد في الوقت نفسه الطريق للتواصل المستمر بين الحكومة السورية وشعبها.
وقال يين قانغ، الباحث في معهد دراسات شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، إن مبادرة الأسد تبعث بإشارة إيجابية، والدليل على ذلك دعوة الأسد في خطابه إلى عقد مؤتمر للحوار الوطني بغية الوصول إلى ميثاق وطني وتشكيل حكومة موسعة تمثل فيها كافة مكونات المجتمع السوري وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، وكل ذلك يفسح المجال لخروج الأسد من مسرح التاريخ.
-- رفض المعارضة لمبادرة الأسد ... واستمرار المأزق السوري
وقد قوبلت المبادرة بالرفض من جانب المعارضة السورية التي وصفها الأسد بأنها "دمي في يد الغرب"، ما يجعل إمكانية إجراء محادثات بين الحكومة والمعارضة في سوريا أمرا مستبعدا. فقد قال المتحدث باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض وليد البني إن الأسد بالمبادرة التي اقترحها "يريد قطع الطريق على التوصل إلى حل سياسي قد ينتج عن الاجتماع الأمريكي - الروسي المقبل مع المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، وهو ما لن تقبل به المعارضة ما لم يرحل هو ونظامه".
ويرى المحللون إنه نظرا لكون هذا التصريح يمثل موقف المعارضة السورية من مبادرة الأسد، فمن المستحيل أن تسهم هذه المبادرة في تهدئة حدة الخلافات القائمة داخل سوريا.
وقد أشار لي شاو شيان إلى أن الخطة الانتقالية الجديدة التي طرحها الأسد في خطابه ليست إلا "حلما بعيد المنال". وبالرغم من أن الأسد طرح وجهات نظر جديدة في المبادرة مثل صياغة دستور جديد وتشكيل حكومة جديدة، إلا أن كل ذلك لم يتطرق إلى النقطة الأساسية التي تتجه نحوها أنظار العالم. فمازال اهتمام الدول الغربية والمعارضة السورية ينصب على إسقاط نظام الأسد وتغيير الحكومة القائمة، فيما يتمسك الأسد بعقد مؤتمر للحوار الوطني بقيادة الحكومة القائمة، وذلك يرمز إلى رفض الأسد بشكل غير المباشر لمطالبة المعارضة السورية له بالتخلى عن السلطة.
وفي تعليقه على ما إذا كان الوضع السوري سيكون واضح المعالم في المستقبل القريب أم لا، أشار يين قانغ إلى إنه من المرجح ألا يتغير المأزق السوري الحالي إلا إذا عقدت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية العزم على استخدام القوة ضد النظام السوري.
قال وو تشنغ لونغ، وهو نائب رئيس اللجنة الوطنية الصينية لتعزيز التعاون الاقتصادي في منطقة الباسيفيك، إن تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع مؤخرا أوضحت أنه يستحيل على الحكومة والمعارضة في سوريا تحقيق نصر حاسم في المعارك، ومن ثم ينبغى على الجانبين "حل الأزمة عبر تسوية تاريخية"، ولكن المعارضة السورية رفضت دعوة الحكومة لإجراء الحوار وأصرت على إسقاط نظام الأسد ، الأمر الذي أوصد الباب أمام حل سياسي للأزمة السورية.
وفي ضوء تصاعد وتيرة أعمال العنف داخل سوريا، لفت وو تشنغ لونغ إلى أنه رغم كون الأسد مازال يسيطر على القوة العسكرية الرئيسية في بلاده، إلا أن انتهاء المعارك بين القوات الحكومية ومقاتلي المعارضة قد لا يتحقق على الأمد القصير، مضيفا أن مبادرة الأسد الجديدة لن تغير الوضع في سوريا وستظل أطراف الصراع تتقاتل من أجل الوصول إلى أغراضها النهائية.
--ردود فعل الدول الغربية... وتزايد صعوبة الوضع السوري
وفضلا عن الرفض القاسي من قبل المعارضة السورية لخطاب الأسد ومبادرته، وضعت ردود فعل الدول الأخرى ولا سيما الدول الغربية عراقيل أمام إيجاد تسوية للوضع السوري. فقد اتهم وزير الخارجية البريطاني وليام هيج الرئيس السوري بـ"النفاق"، وقال إن العنف والقمع هما من صنع يدي الأسد. ودعا الاتحاد الأوروبي الأسد إلى التنحي من أجل إعطاء الفرصة لـ"التحول السياسي". كما وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مبادرة السلام التي اقترحها الأسد بأنها "منفصلة عن الواقع" و"محاولة أخرى من النظام للتشبث بالسلطة".
ويقول المحللون إنه رغم إعراب إيران عن ترحيبها بمبادرة الأسد، إلا أن موقف الدول الغربية تجاه الخطاب يزيد من صعوبة تنفيذ المبادرة.
وفي هذا الصدد، قال لي شاو شيان إنه نظرا لكون المرحلة الأولى والأساسية من مبادرة الأسد تكمن في وقف إطلاق النار، وبعبارة أخرى، تكمن في إلتزام الدول المعنية بوقف تمويل المعارضة السورية وتسليحها، فإن إدانة الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة لخطاب الأسد ومبادرته تجعل من تطبيق هذه المرحلة أمرا مستحيلا .
ومن وجهة نظر وو تشنغ لونغ، فإنه بالرغم من أن القوات الحكومية مازالت حتى الآن صاحبة اليد العليا في المعارك ولا يزال الأسد يتمتع إلى حد ما بدعم شعبي داخل البلاد ، إلا أن رفض الغرب للمبادرة واستمراره في تمويل مقاتلي المعارضة السورية وتسليحهم يظهر جليا للعيان حجم العقبات التي تقف أمام ادخال هذه المبادرة حيز التنفيذ.
وخلاصة القول، يرى لي شاو شيان إنه من الصعوبة بمكان أن تخرج سوريا من المأزق الحالي وأن تحقق المصالحة المنشودة دون عزيمة وإصرار على وقف إطلاق النار.
/مصدر: شينخوا/
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn