غزة 31 مايو 2013 /مازالت ملامح البراءة الممزوجة بالصدمة بادية على وجه الطفل راشد ذي الـ 16 عاما بعد أربعة أشهر من إقامته في "إصلاحية غزة" لاتهامه بالسرقة والسطو.
وتعبر قسمات البؤس في وجه راشد ببشرته السمراء وملابسه المهترئة وتنقله داخل أقسام الإصلاحية حافي القدمين، عن حالة العوز والفقر اللتين يقول، إنهما دفعتاه لارتكاب جريمته ليكون مصيره بين "أطفال الأحداث".
وبينما يحتفل العالم باليوم الدولي لحماية الأطفال الذي يصادف الأول من يونيو في كل عام يقبع راشد و 34 طفلا آخرون بقرارات قضائية في مؤسسة (الربيع الإصلاحية) في غزة، بتهم تتنوع بين السرقة والاعتداء وتصل الى حد التجارة وتعاطي المخدرات والتحرش الجنسي.
ويقول القائمون على المؤسسة، إنها تستقبل ما معدله 15 إلى 20 طفلا شهريا دون 18 عاما، في انعكاس لأزمة مجتمع متفاقمة في قطاع غزة المنهك بفعل سنوات من العزلة والعنف مع إسرائيل.
وجميع هؤلاء مدانون بقضايا جنح كحال راشد الذي يقول، إن حاجته الماسة للمال وفقر عائلته الشديد دفعت به إلى السرقة.
ولم يشفع تفوق راشد الدراسي المشهود له في منطقة سكنه في القرية البدوية أقصى شمال قطاع غزة، ولا كون جريمة السرقة هي السابقة الأولى له ، في منع توقيفه لينقطع عن الدراسة بين جدران الإصلاحية.
ويقول راشد بنبرات متقطعة يشوبها الشعور بالذنب "لم يكن بيدي حيلة، فأبي عاطل عن العمل منذ سنوات ومريض ومدير المدرسة يعنفني كل يوم لأني لا أشتري حتى الدفاتر والكتب".
ويضيف بعد صمت تداخلت فيه ذكرياته المؤلمة "فتشت كثيرا عن عمل يوفر على الأقل مصروفي ومستلزمات المدرسة فلم أجد، لذلك دخلت إلى محل تجاري وسرقت منه (..) كنت فقط أريد أن أشتري كتبي كما زملائي".
زملاء راشد واصلوا الالتحاق بمدرستهم كل صباح أما هو فإن قيد الإقامة الجبرية داخل المؤسسة الإصلاحية بموجب قرار توقيف من النيابة العامة كان مصيره بعد اعترافه "تحت الضرب"،بحسب ما يقول، بفعلته.
ويقول الأخصائي الاجتماعي في مؤسسة الإصلاحية غسان رضوان لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن أكثر من 90 في المائة من أطفال الأحداث في المؤسسة يعانون من ظروف تنشئة بالفقر الشديد.
ويضيف رضوان "عند بحث حالة كل منهم نجد السبب الأول هو الفقر (..) هؤلاء ضحايا تعرض سلوكهم للانحراف نتيجة الحرمان الذي سيطر على حياتهم وعائلاتهم".
ويعكس ما وصل إليه أطفال الأحداث في قطاع غزة ما ترصده منظمات حقوقية دولية من معدلات قياسية من الفقر والبطالة من مجموع 1.7 مليون نسمة يقطنون القطاع الساحلي.
وفرضت إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة منتصف العام 2007 بعد سيطرة حركة حماس الإسلامية على الأوضاع فيه بالقوة.
ورغم سنوات من انحسار أشكال الحصار بعد إدخال إسرائيل تسهيلات عليه، فإن غالبية السكان مازالوا يعتمدون على مساعدات خارجية لتأمين قوت يومهم مع اندثار تدريجي للطبقة المتوسطة.
ويعاني آباء 22 طفلا من أطفال الأحداث في إصلاحية غزة حاليا على الأقل من البطالة.
ويتم توقيف هؤلاء لفترات متفاوتة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى عامين حسب قضية كل منهم.
ومن بين هؤلاء الطفل مؤمن الذي لم يتجاوز 13 عاما من عمره، ويقيم منذ ستة أشهر داخل الإصلاحية بعد ضبطه متلبسا في بيع حبوب مخدرة سرقها من شقيقه الذي انتهى به المطاف في السجن نتيجة اعتراف مؤمن.
أما عبد الله (14 عاما) فيقضي حكما بالتوقيف لخمسة أشهر بتهمة الاعتداء قصد الإيذاء العمد على صديق له تشاجر معه بسبب 10 شواكل إسرائيلية (نحو ثلاثة دولارات أمريكية).
وينقل أطفال الأحداث إلى مقر الإصلاحية فور إدانتهم في مراكز الشرطة والنيابة العامة واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
وغالبية هؤلاء منقطعون عن الدراسة لأسباب الفقر والتفكك الاجتماعي وبعضهم تورط في قضايا انحلال جنسي.
وبينما يعمل أخصائيون اجتماعيون ونفسيون على إعادة تأهيلهم طوال فترة توقيفهم، فإن شعور الحرمان والتمييز عن أقرانهم يتعاظم لدى أطفال الإصلاحية.
إذ لا يحظون سوى بزيارة ذويهم لمرة أسبوعيا ويحظر عليهم الاتصال بالعالم الخارجي، على أن يتم مراقبة سلوكهم حتى بعد مغادرتهم الإصلاحية.
ويقول راشد، إن والديه لم يزوراه داخل الإصلاحية منذ 25 يوما بسبب عوزهم للمال، مبررا ذلك بأنهم لا يجدون ثمنا للمواصلات للوصول إليه على الرغم أنه يشتاق إليهم كثيرا ويتلهف لرؤيتهم وأشقائه وأصدقائه في المدرسة.
وبدا راشد متلعثما وهو يجيب عما ينتظره في المستقبل وقال بعد تفكير حائر "أريد العودة لمنزلي وللمدرسة، لن أسرق مرة ثانية لكن لا أعرف كيف أتدبر أمور مصروفي حتى الآن".
وخلال فترات توقيفهم داخل الإصلاحية يخضع الأطفال لدورات تأهيل متنوعة بينها التدريب المهني وحصص في التعليم الأساسي للأميين منهم ومحاضرات دينية وأخرى حقوقية.
وتسجل إحصائيات الإصلاحية "نجاحها" في تعديل سلوك 70 إلى 80 في المائة من الأطفال النزلاء لديها، بحسب مدير دائرة الدفاع الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة المقالة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة عوني أبو هربيد.
ويقول أبو هربيد ل((شينخوا))، إن الإصلاحية تركز على علاج البعد الاجتماعي الذي أدى إلى انحراف الأطفال وتتابع حالاتهم خاصة ممن يعانون من تفكك أسري بقصد تقويم سلوكهم.
لكنه يشدد على أن حل الأزمة هو مسؤولية اجتماعية "بحكم أن أطفال الأحداث يعبرون عن درجة خطيرة من انحراف المجتمع تتطلب مسؤولية مشتركة في وضع الحلول الجذرية لها".
ومن بين هذه الحلول الحاجة إلى تشكيل محكمة خاصة لأطفال الأحداث وإيلائهم رعاية أكثر جدية من الجهات الرسمية والأهلية وفق المحامية في مركز (الميزان) الفلسطيني لحقوق الإنسان شمس نصر.
وتشير نصر ل((شينخوا))، إلى أن غالبية أطفال الأحداث تصدر بحقهم أحكام بالغرامة لكن يتم تحويلهم إلى التوقيف بسبب فقر عائلاتهم الشديد وعدم قدرتها على دفع هذه الغرامات.
وتتولى نصر الدفاع عن عدد من أطفال الإصلاحية مبدية تعاطفها الشديد معهم "فهم أولا وأخيرا ضحايا للمجتمع ولولا سوء تنشئتهم والفقر الذي يعانوه ما تحولوا إلى مجرمين منذ صغرهم بمستقبل مجهول".
وبحسب مختصون وحقوقيون فإن حالات أطفال الأحداث المعلنة تشكل صورة مصغرة شديدة الخطورة لمئات الحوادث في غزة المخفية بفعل ستار الرادع الاجتماعي، دون أن يكفل ذلك وضع حد لمزيد من انتشارها.
/مصدر: شينخوا/
1. حافظوا على القوانين، والانظمة المعنية التى وضعتها جمهورية الصين الشعبية، وحافظوا على الاخلاق على الانترنت، وتحملوا كافة المسؤوليات القانونية الناتجة عن تصرفاتكم بصورة مباشرة وغير مباشرة.
2. لصحيفة الشعب اليومية اونلاين كافة الحقوق فى ادارة الاسماء المستعارة والرسائل المتروكة.
3. لصحيفة الشعب اليومية اونلاين الحق فى نقل واقتباس الكلمات التى تدلون بها على لوحة الرسائل المتروكة لصحيفة الشعب اليومية اونلاين داخل موقعها الالكترونى.
4. تفضلوا بابلاغ arabic@peopledaily.com.cn آراءكم فى اعمالنا الادارية اذا لزم الامر.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn