أعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" المعارضة والمدعومة أمريكيا، في 6 نوفمبر الجاري، عن شنها لهجوم على معكسر تنظيم داعش في مدينة الرقة. في الوقت الذي تحتدم فيه العمليات العسكرية في معركة الموصل، قررت أمريكا وحلفائها شن معركة الرقة، سعيا إلى كبح قوى داعش، لكن أنظار أمريكا وحلفائها تمتد إلى مابعد القضاء على داعش ولا تقف عند حدود الرقة، بل تسعى أمريكا للإستفادة من معركة الرقة في إستعادة النفوذ الميداني داخل الساحة السورية.
تقل مدينة الرقة حجما وسكانا عن مدينة الموصل، كما تشير بعض التقارير إلى عدم تواجد عدة قيادات عليا من تنظيم داعش بما في ذلك زعيم التنظيم البغدادي في المدينة. وفي ظل تقدم الأعمال العسكرية للجيش العراقي في إستعادة مدينة الموصل، إختار عدة مسلحين من التنظيم الفرار إلى الرقة بعد هزيمتهم في الموصل. لذا تهدف أمريكا من خلال معركة الرقة إلى تفريق القوة العسكرية للتنظيم، والعزل بين رأسه وذيله. من جهة أخرى، شككت بعض الأطراف في النوايا الأمريكية من شن معركة الموصل، وإعتبرتها محاولة أمريكية لإعادة عناصر التنظيم إلى سوريا، لذلك فإن أمريكا تحاول تنظيف نفسها من هذه الشكوك من خلال معركة الرقة.
لكن بالنظر من مواقف "قوات سوريا الديمقراطية"، فإن الأهداف الأمريكية لا تبدو بريئة. فوفقا للمخطط الذي نشرته قوات سوريا الديمقراطية، فإنها ستعمل تحت تغطية جوية من التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، وستقسم معركة الرقة إلى مرحلتين، أولا محاصرة المدينة دون القيام بعمليات عسكرية، وثانيا إستعادتها. في ذات السياق، أشارت القيادة المركزية للعمليات العسكرية في الشرق الأوسط بالجيش الأمريكي، إلى أنه لم يتم إلى الآن تحديد الجهة التي ستشن الهجوم، وتوقيت تنفيذ الهجوم. وعلى إعتبار تعقد الوضع السوري، فإن أمريكا ستواجه عدة عقبات في إستعادة مدينة الرقة، لكن محاصرة المدينة ستكون كافية بالنسبة لأمريكا لضمان المقعد الأول في ترتيبات مستقبل الوضع السوري بإسم مقاومة الإرهاب.
أما العدو الأول بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، فهو الجيش الحكومي، لذلك سيكون من غير الواقعي الزج بكامل قواها في محاربة داعش.
كان هدف أمريكا منذ إندلاع الأزمة السورية هو الإطاحة بنظام بشار الأسد، لكن التدخل الروسي القوي أفقد أمريكا قوة القيادة، كما مثل ذلك عقبة أمام نجاح جهود المعارضة السورية. وبينما يتصارع الجيش الحكومي وقوات المعارضة السورية على السيطرة على حلب، تكتفي أمريكا بممارسة الضغوط السياسية، في حين تجد نفسها عاجزة عسكريا. في ظل هذا الوضع، إغتنمت أمريكا فرصة إندلاع معركة الموصل، لتدفع بقوات سوريا الديمقراطية إلى مدينة الرقة التي يصعب على الجيش الحكومي الوصول إليها، وتطمح أمريكا وقوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على تغيرات الوضع في سوريا من خلال معركة الرقة وتحويل قاعدة داعش بما في ذلك الرقة الى معسكر المعارضة السورية، وتحقيق الانقسام الواقعي لسوريا، من ثم مواصلة خوض صراع التوازنات مع الحكومة السورية وروسيا.
من جهة أخرى، تمتلك قوات سوريا الديمقراطية هوية إستثنائية، حيث يتكون الجزء الأكبر من القوات التي يبلغ حجمها 30 ألف شخصا، من عناصر كردية، تنتمي أساسا إلى وحدات حماية الشعب الكردية. في حين تدرج تركيا هذه الوحدات ضمن التنظيمات الإرهابية، وتساورها محاذير كبيرة من تعاون هذه الوحدات مع حزب العمال الكردي لتحقيق الإستقلال. وقد أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عند شن هجومها على الرقة أن موافقة أمريكا على عدم مشاركة تركيا في الحرب. غير أن رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية المشتركة، دانفورد نيلسون أعلن في 7 نوفمبر الجاري أن التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا سيشرف مع تركيا على إدارة مشتركة لمدينة الرقة بعد إستعادتها. من جهته، قال وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، في 8 نوفمبر الجاري، أن أمريكا قد تعهدت بالسماح لقوات سوريا الديمقراطية فقط بالمشاركة في حرب محاصرة الرقة وعدم السماح لها بدخول المدينة. لذا هناك من يقول بأن أمريكا تستخدم الأكراد لتنفيذ أهدافها، فيما يرى آخرون أن ماصرح به رئيس هيئة الأركان الأمريكية مجرد طمأنة لتركيا، أما دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى الرقة فسيبقى منوطا برضا أمريكا عن تركيا.