بقلم: منذر الشوفي
دمشق 30 ديسمبر 2017 / شهد العام 2017 الكثير من الإنجازات المهمة على الصعيد الميداني في سوريا، ولعل أهمها على الاطلاق هو هزيمة تنظيم الدولة (داعش) في معاقله الرئيسة، الأمر الذي عزز الآمال بإمكانية التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية في العام المقبل، بعدما تعرضت لعدة إخفاقات طيلة السنوات السبع الماضية.
واستطاع الجيش السوري بالتعاون مع القوات المتحالفة معه خلال النصف الثاني من العام 2017، توسيع دائرة السيطرة على الجغرافيا السورية، وان ينتزع مناطق استراتيجية من تنظيم (داعش) ، إلى جانب المعارك التي كانت تخوضها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الامريكية ، وتمكنت أيضا من هزيمة هذا التنظيم المصنف على قائمة الإرهاب العالمي .
الجيش السوري والاكراد هزما "داعش" لكن العلاقة ما تزال متوترة بينهما
تمكنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة من السيطرة على مدينة الرقة ( شمال سوريا ) ، والتي كانت تسمى عاصمة الدولة الإسلامية في سوريا، في 17 من أكتوبر الماضي ، أي بعد حوالي ثلاث سنوات من إعلان تنظيم (داعش) الرقة عاصمة لدولة الخلافة.
واستغرقت قوات سوريا الديمقراطية في معاركها العنيفة ضد تنظيم (داعش) حوالي أربعة اشهر تقريبا بدعم كبير من التحالف الدولي الذى تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب في سوريا.
وأوضح المرصد السوري لحقوق الانسان ان ما لا يقل عن 3250 شخصا بينهم 1130 مدنيا قتلوا خلال المعارك التي استمرت اربعة اشهر في الرقة.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ومقره لندن في ذلك الوقت إن 80 في المائة من الرقة قد دمرت بسبب القصف العنيف الذي شنته قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على حد سواء.
كما اكد الناطق باسم قوات سوريا الديمقراطية العميد طلال سلو في تصريحات سابقة لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق أن " تنظيم (داعش) هو المسؤول الأول عن حجم الدمار الذي لحق بمدينة الرقة ، بسبب تفخيخه للأبنية لإعاقة تقدم قوات سوريا الديمقراطية.
وبالتوازي مع الهجوم على الرقة، كان الجيش السوري المدعوم من قبل روسيا يخطو خطوات كبيرة في المعارك ضد مقاتلي تنظيم (داعش) في محافظة دير الزور (شرق سوريا)، التي اعتبرت العاصمة الاقتصادية لتنظيم (داعش)، حيث يوجد حقول النفط والغاز الرئيسية فيها.
وفي 3 نوفمبر من العام 2017، أعلن الجيش السوري أن محافظة دير الزور بأكملها محررة من تنظيم (داعش)، بعد عملية استمرت شهرا لإنهاء وجود تنظيم الدولة الإسلامية في ذلك الجزء الرئيسي من البلاد بالقرب من الحدود العراقية.
في وقت لاحق، تحرك الجيش السوري وهزم (داعش) في معقلين رئيسيين في ريف محافظة دير الزور، وهما مدينتي الميادين والبوكمال على الحدود العراقية.
وللوصول إلى دير الزور، شن الجيش السوري بدعم من المقاتلين الموالين له وعناصر حزب الله اللبناني هجوما عسكريا واسع النطاق في الصحراء السورية في الريف الشرقي لمحافظة حمص وسط سوريا.
وبدأت الحملة في شهر مايو الماضي وركزت فى البداية على القضاء على تهديدات المسلحين على طول الطريق السريع من العاصمة دمشق إلى الحدود مع العراق.
وكان هدفها الأول هو السيطرة على كل من الطريق السريع ومعبر التنف الحدودي، وبالتالي تأمين ريف دمشق من هجوم محتمل للمسلحين.
في وقت لاحق، تم فتح عدة جبهات أخرى كجزء من العملية في جميع أنحاء الصحراء، وكذلك شن عملية عسكرية اطلق عليها اسم "الفجر الكبرى" ضد تنظيم داعش بهدف إعادة فتح الطريق السريع من دمشق إلى تدمر والاستعداد لهجوم نحو دير الزور المحاصرة من قبل تنظيم (داعش) .
وفي سعيها للوصول إلى دير الزور، استعاد الجيش مدينة تدمر الاثرية ومعاقل داعش الرئيسية الأخرى على طول الطريق في الصحراء باتجاه دير الزور ، واستغرق الوصول عدة اشهر.
وأثناء الهجوم في الريف الشرقي لمحافظة حمص ، تم استرجاع محطات الغاز والنفط الرئيسية من تنظيم (داعش)، مثل حقول النفط في جزل، وحقول غاز الشاعر، وكذلك حقل غاز حيان، الذي يعد أكبر منشأة لإنتاج الغاز ومحطة كهرباء تغذية في وسط وجنوب سوريا.
لذلك تم تجريد الجماعة الإرهابية من معاقلها السياسية والاقتصادية، وتحتفظ حاليا بالسيطرة على المناطق في ريف دير الزور، حيث من المتوقع إن يهزم بسهولة.
كما هاجمت قوات سوريا الديمقراطية التي تضم مقاتلين (عرب واكراد) تنظيم داعش فى ريف دير الزور الشمالي، بهدف تضيق الخناق عليه.
على الرغم من أن الهدف كان مشتركا هو القضاء على تنظيم (داعش) ولكن كان هناك بعض الخلافات التي طفت على السطح بعد هزيمة تنظيم (داعش).
وكان هدف الجيش السوري استعادة السيطرة على جميع المناطق التي استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية خلال السنوات الماضية من عمر الازمة، بينما كانت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة هو تطهير المناطق من تنظيم (داعش) لمساعدتها على تمكين مواقعها وتأمين المناطق التي تريد الحفاظ عليها من أجل تحقيق حلمها القديم وهو إقامة حكم ذاتي في تلك المناطق الخاضعة لسيطرتها في الشمال السوري.
في البداية، لم تحدث أي مواجهات عسكرية أو سياسية بين الجانبين، لكن قوات سوريا الديمقراطية اتهمت مرارا وتكرارا الجيش السوري باستهداف مناطقه وردا على ذلك رفضت الحكومة السورية الاعتراف بتحرير الرقة، قائلة في وقتها إنها ما تزال محتلة لوجود قوات أمريكية وكردية.
وقال مسئولون سوريون مرارا إن الحكومة ستستعيد جميع المناطق بما فيها المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية، كما قال وزير الخارجية وليد المعلم إن استقلالهم يمكن مناقشته.
وفي آخر تصريحات للمسؤولين السوريين ، قال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في 20 ديسمبر الجارى إن قوات سوريا الديمقراطية هي "داعش الجديدة"، مستخدمة اختصارا عربيا لتنظيم الدولة الإسلامية.
وأضاف أن قوات سوريا الديمقراطية يجب أن تكون جزءا من الجمهورية العربية السورية، وإلا فإنها ستلتقي بمصير مماثل من تنظيم (داعش).
وتأتي تصريحاته الحادة الجديدة على خلفية ما تعتبره الحكومة الحركة الانفصالية للمجموعة التي يقودها الأكراد، على الرغم من تصريحات الأكراد المتكررة بأنها لا تسعى إلى الاستقلال.
ولكن على الرغم من التوتر، هناك حقيقة واحدة إيجابية، وهي هزيمة داعش الكبرى في سوريا، حيث ما تزال الجماعة تحتجز بعض المناطق في ريف دير الزور ومنطقة صغيرة واحدة في جنوب دمشق.
وقال المحلل السياسي السوري حسام شعيب لوكالة (شينخوا) بدمشق إن " ما يميز عام 2017 هو الإنجازات العسكرية التي استطاع الجيش السوري وحلفاؤه ان يقوموا بها بدء من تحرير كامل مدينة حلب وانتهاء بتحرير دير الزور من ارهابيي تنظيم ( داعش) ، إضافة إلى انطلاق اجتماعات استانا والتي استطاعت أيضا ان تفرض وجودها ولكن بتقدم بطئ "، مؤكدا أن التقدم ساهم في بلورة الحل السياسي للازمة السورية عبر عقد مؤتمر سوتشي المقرر عقده مطلع العام الجديد.
وأضاف شعيب ان " تنظيم (داعش) كظاهرة إرهابية تلاشى ولم يعد يشكل اية خطورة على سوريا " ، مشيرا إلى أن دمشق استطاعت أيضا خلال عام 2017 من كسر الحصار السياسي المفروض عليها عبر تدفق العديد من الوفود البرلمانية من الدول الأوروبية إلى سوريا.
المسار السياسي للازمة يتحرك ببطء مع وجود بعض العقبات
وبالرغم من عدم وجود أي تقدم ملحوظ في مسار الحل السياسي للازمة السورية في العام 2017، إلا أن عجلات الحل السياسي كانت تتحرك ببطء، وجرت عدة جولات من المحادثات بين السوريين في جنيف هذا العام، ولم تحقق أي أرضية ملموسة للبناء عليها.
وقد انتهت الجولة الأخيرة في وقت سابق من هذا الشهر، مع تكرار المعارضة لموقفها بأن الرئيس بشار الأسد يجب أن يرحل تمهيدا للحل السياسي، في حين أن الحكومة حافظت على موقفها الذي لا يجب وضع شروط مسبقة قبل المحادثات، تريد بدلا من ذلك إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب.
وفي 14 ديسمبر الجاري، انتهت الجولة الثامنة من محادثات جنيف، مع اطلاق مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا تحذير من تداعيات فشل المحادثات.
وقال إن الطرفين فشلا بعد أسابيع من المحادثات في تحقيق النتائج المرجوة رغم الجهود الكبيرة التي وصفها بأنها "فرصة ذهبية ضائعة".
وبالتوازي مع محادثات جنيف، أيضا عقدت عدة جولات من المحادثات في أستانا، التي تدعمها روسيا وتركيا وإيران، وقد نجحت محادثات أستانا في التوصل إلى اتفاق لوقف التصعيد الذي يهدف إلى إرساء وقف لإطلاق النار في أربع مناطق رئيسية في سوريا.
وتشمل المنطقة الأولى أجزاء من محافظة إدلب الشمالية الغربية وكذلك أجزاء من ريف محافظة اللاذقية في شمال غرب سوريا والمناطق الغربية من محافظة حلب شمال سوريا والمناطق الشمالية من محافظة حماة في وسط سوريا.
وتشمل المنطقة الثانية ريف الغوطة الشرقية من العاصمة دمشق، في حين تضم المنطقة الثالثة مدينتي الرستن وتلبيسة في الريف الشمالي من محافظة حمص في وسط سوريا.
وتشمل المنطقة الرابعة مناطق في محافظتي درعا والقنيطرة الجنوبيتين، وعلى الرغم من أن الخطة لم تحقق نجاحا بنسبة 100 في المائة، إلا أنها أثبتت جدواها.
فشل هذه الجولة من المحادثات، جعلت العيون تتحول نحو المحادثات المقبلة في سوتشي بوساطة من روسيا وإيران وتركيا، وخاصة بعد زيارة الرئيس السورى بشار الأسد إلى سوتشي الشهر الماضي وزيارة بوتين إلى سوريا هذا الشهر.
وقد رأى المحللون أن هذه الزيارات تمهد الطريق القوي لعقد اجتماع سوتشي، المقرر في مطلع العام المقبل.
وفي 18 ديسمبر الجارى، قال الأسد إن إدارته ترحب بأي دور للأمم المتحدة في الانتخابات السورية المحتملة طالما أنها تحترم السيادة السورية، وفقا لما ذكره المكتب الإعلامي للرئاسة السورية.
وقال الأسد إن أي دور للأمم المتحدة في الانتخابات السورية يجب أن يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة واحترام السيادة السورية ".
ومن المتوقع أن تناقش الانتخابات والدستور في سوريا في المحادثات المقبلة في سوتشي.
ويأمل السوريون ان يكون العام المقبل 2018 هو عام السلام الحقيقي، ويتم فيه انجاز الحل السياسي للازمة التي استمرت سبع سنوات.