بقلم:ليو تشونغ مين، مدير معهد الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للغات الاجنبية
قام نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بزيارة الى كل من مصر والأردن وإسرائيل خلال الفترة من 20 الى 23 يناير الجاري، وتأتي هذه الزيارة بعد تأجيلها، حيث كان مخططا لها أن تجرى في نهاية عام 2017، غير انه أٌضطر لتأجيلها بسبب المظاهرات الغاضبة التي شهدتها عواصم الدول العربية اعتراضا على اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بان القدس عاصمة لإسرائيل.
إن معارضة الرئيس المصري وملك الاردن بصراحة للسياسة الامريكية عند اللقاء بمايك بنس زاد من إحراج الاخير خلال الزيارة. وألغي الرئيس الفلسطيني محمود عباس زيارة بنس الى فلسطين، وذهب الى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل للحصول على الدعم الأوروبي. كما رفض الزعماء الدينيون المسيحيون والاسلاميون المصريون الاجتماع مع بنس. بالإضافة الى ذلك، احتج البرلمانيون العرب خطاب بنس في الكنيست الإسرائيلي.
لماذا أصر بنس على إتمام الزيارة الى الشرق الأوسط، رغم صعوبتها ومواقفها المحرجة؟ اعتقد انه ينبغي النظر في النقاط التالية: ـ
أولا، سعيا الى "فهم" و"دعم" الدول العربية لسياسة ترامب في القدس، في محاولة الى تامين التعاون الأمني المصري والاردني وتأييد السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
مصر والأردن ليسا حليفين للولايات المتحدة فحسب، ولكن ايضا الدولتين العربيتين اللتين اقامتا علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. وقد لعب كلاهما دورا هاما في عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. وعلى الرغم من أن السيسي وعبد الله يعارضان بصراحة السياسة الامريكية بشأن القدس، إلا أنه بالنظر الى أمنهما والمصالح الفعلية للولايات المتحدة، فإن مما لا شك فيه سيتعاونان أمنيا مع الولايات المتحدة واسرائيل، ولا سيما في مراقبة الحدود، وتكثف الجهود لمكافحة المتطرفين، وهذا في مصلحة اسرائيل، وهو في مصلحة مصر والاردن ايضا.
ثانيا، ترتيبات محددة لتنفيذ سياسة ترامب في القدس الهدف الأكثر أهمية من زيارة مايك بنس الى إسرائيل. وقد أثارت سياسة ترامب في القدس معارضة قوية من المجتمع الدولي، وباعتبار بنس واحدا من مهندسي ومؤيدي سياسة ترامب في القدس، من المؤكد أن هذه الزيارة ستحمل مهمة تنفيذ سياسة ترامب في القدس. وفى خطاب الكنيست، لم يؤكد بنس موقف القدس عاصمة لإسرائيل فقط، وإنما أعلن أن الولايات المتحدة ستكمل مهمة نقل سفارتها في اسرائيل من تل أبيب الى القدس بحلول عام 2019. وبطبيعة الحال، أكد بنس مجددا أن الولايات المتحدة تتحفظ بموقفها تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حول سيادة القدس، بسبب معارضة العالم العربي والاسلامي والمجتمع الدولي. وفي الوقت نفسه، تم التوصل الى الزيارة التي شملت ثلاث دول الى انها ترغب في استئناف عملية السلام في الشرق الاوسط في حالة اتفاق فلسطين واسرائيل حول "برنامج الدولتين". والجدير بالذكر أنه ينبغي التفكير جيدا في تحديد الولايات المتحدة فترة سنتين لنقل السفارة، وذلك باستخدام فترة عامين كفترة للعمل بنشاط مع جميع الاطراف بما في ذلك الاستمرار في كسب " فهم" الدول العربية، وحتى التباين بين الدول العربية.
أخيرا، إصلاح وتوطيد العلاقات بين الولايات المتحدة والحلفاء في الشرق الأوسط، وتعزيز التنسيق بين الجانبين في القضية السورية، ومكافحة الإرهاب، وضد إيران وغيرها من القضايا الأخرى، وإضعاف نفوذ روسيا في الشرق الأوسط، هي أهداف مهمة أخرى من زيارة بنس.
في السنوات الأخيرة، أصبحت العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط فضفاضة بشكل متزايد، ليس في التراجع المستمر للعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا فقط، وإنما ايضا التقارب بين حلفاء تقليديين مثل المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل من روسيا. بالإضافة الى ذلك، قطعت العلاقات العسكرية والتجارية والتعاون في مجال الطاقة بين حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وروسيا خطوات كبيرة، وانضمام تركيا الى محادثات سوريا في استانا التي تقودها روسيا. لذلك، فإنه بلا شك أن زيارة بنس الى مصر والاردن تؤدي الى تحسن في التحالفات، وتجنب الاعتبارات الهامة من التقارب الكبير من روسيا. وركز بنس في اسرائيل على تهديد إيران ايضا، حيث اعتبر تواجد الجيش الايراني وقوات حزب الله يدعمه إيران تهديدا امنيا خطيرا لإسرائيل، وبلا شك فإن الهدف من هذه التصريحات هو السعي لتحريض اسرائيل ضد إيران، وبالتالي تعزيز التحالف الامريكي الاسرائيلي.
ويبدو ظاهريا، أن رحلة بنس الى الشرق الأوسط محرجة بلا شك، ولكن من ناحية تهيئة الظروف اللازمة لتنفيذ سياسة القدس، واصلاح علاقاتها مع الحلفاء، قد حصل على بعض النتائج التي لا تناسب الإعلان عنها. ومع ذلك، فإن الركود الأمريكي في الشرق الأوسط وانخفاض الرغبة في التدخل، فضلا عن عدم امتلاك ترامب لاستراتيجية منهجية في الشرق الأوسط، فإن رحلة بنس الى الشرق الأوسط مجرد رحلة عاجزة لتنظيف ما خلفه اعلان ترامب بشأن القدس عاصمة لإسرائيل، ولن يكون لها تأثير جوهري على النمط الحالي للشرق الأوسط.