غزة 8 أبريل 2018 /في حلقة دائرية داخل إحدى خيام مسيرات العودة المنتشرة قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، جلس مجموعة شبان فلسطينيين حول السبعيني محمود أبو دياب مستمتعين بما يشدوه من زجل فلسطيني على أنغام آلته الموسيقية (الشبابة).
ولم يمنع ظلام الليل الحاج أبو دياب وهو لاجئ من مدينة "بئر السبع" جنوب إسرائيل، من التواجد في تلك الخيام لينشد للذين يبيتون فيها فن الزجل وربطه مع التمسك بالأرض وحق العودة.
ولاقى زجل الحاج السبعيني الذي يرتدي الزي الفلسطيني القديم المكون من الجلباب والحطة (غطاء للرأس) والعقال، تفاعلا كبيرا من قبل الحاضرين.
ويعبر أبو دياب الذي بدا عليه الشوق للعودة إلى بلدته القديمة لوكالة ((شينخوا))، عن سعادته بالوجود في الخيام على الحدود كونه "يشتم رائحة بئر السبع القريبة من السياج".
ويقول الرجل الذي يتمتع بفصاحة لسانه، إن "تواجدنا في الخيام للتأكيد على حقنا في العودة إلى الديار التي هجرنا منها ولن يضيع حق وراءه مطالب".
ويضيف أبو دياب، أن "الاعتصام السلمي سيتواصل حتى يوصل الشعب الفلسطيني رسالته للعالم بالعودة وهذا حق كفلته كل الشرائع والقوانين الدولية".
وإلى جانب ذلك، هنالك فقرات أخرى مثل رقصات الدبكة والدحية التراثية القديمة التي يحيها المتظاهرون حول مواقد النار المشتعلة قبالة خيامهم.
ونصبت عشرات الخيام البيضاء في حقول مفتوحة على طول المناطق الشرقية للقطاع وعلى بُعد نحو 700 متر فقط من السياج الحدودي مع إسرائيل منذ يوم الجمعة قبل الماضي اليوم الأول للمسيرات.
وتلك الحقول هي أراض زراعية تعود ملكيتها لمزارعين فلسطينيين وكانت تُزرع بالقمح والشعير،
وتوضع في كل خيمة المراتب والوسائد على الأرض الرملية.
وعلى مقربة من خيمة أبو دياب، تنهمك الخمسينية أم خالد في إعداد خبز (الصاج) وهو تراث فلسطيني قديم لتقديمه للمتواجدين داخل الخيام.
وتصطحب أم خالد، وهي لاجئة من قرية "سلمة" قضاء مدينة يافا، معها إلى المنطقة الحدودية بنتها وزوجها من أجل مساعدتها في إعداد هذا النوع من الخبز وهو عبارة عن رغيف مستدير وكبير ورقيق وسمى بذلك لأنه يخبز على موقد صاج.
وتقول أم خالد بينما تضع الرقائق على موقد النار أمامها لوكالة أنباء ((شينخوا))، "أقوم بعمل الخبز لتوزيعه على المتظاهرين الموجودين وينامون في الخيام".
وتضيف الخمسينية التي جلبت كافة المعدات اللازمة لإعداد الخبز من منزلها وسط مدينة غزة وصولا لمكان الخيام أقصى الشرق، "طهي خبز الطابون هو إحياء للتراث الشعبي الفلسطيني وتذكير بالحياة الفلسطينية البدائية القديمة".
وتتابع أم خالد، أن "تواجدها في الخيام تأكيد على حقها في العودة إلى أرضها التي هجرت منها في سلمة"، مؤكدة أنها "ستتواصل في القدوم إلى تلك الخيام حتى تحقيق الحلم بالعودة".
وأم خالد هي واحدة من عشرات النسوة اللواتي لم يتوانين عن تقديم المساعدة كالأكل أو الماء للمتظاهرين داخل الخيام.
وإلى جانبها، جلست مجموعة من نسوة يطهين أكلة (السماقية)، الشهيرة لدى الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة.
وتقول إحدى النسوة المشاركات، إن "اختيار السماقية كونها مرتبطة بالمناسبات السعيدة في غزة وللتأكيد على سلمية التظاهرات شرق غزة".
ويتكون طبق السماقية من (السبانخ والدقيق وزيت الزيتون والفلفل وقطع من اللحم) ويقدم عادة في الليلة التي تسبق الأفراح في القطاع.
وانطلقت مسيرات العودة يوم الجمعة قبل الماضي تزامنا مع إحياء الفلسطينيين في 30 مارس من كل عام "يوم الأرض" ردا على إعلان السلطات الإسرائيلية مصادرة 21 ألف دونم من أراضي الجليل والمثلث والنقب في عام 1976 حيث قامت مظاهرات عارمة في صفوفهم داخل إسرائيل مما أسفر عن سقوط ست ضحايا.
وبحسب القائمين على المسيرات فإنها ستتواصل وصولا إلى ذروتها في 15 مايو المقبل الذي يصادف ذكرى (النكبة) الفلسطينية التي جرت عام 1948، وجرى فيها طرد ونزوح حوالي 957 ألف فلسطيني، أي ما نسبته 66 في المائة من إجمالي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في (فلسطين التاريخية) آنذاك.
وقتل منذ إطلاق المسيرات غير المسبوقة، 29 فلسطينيا أغلبهم بالرصاص الحي خلال المواجهات ومن بينهم طفلان ومصور صحفي، فيما أصيب قرابة 2800 آخرين بينهم 79 حالة خطيرة.