بقلم: نؤاس الدراجي
طرابلس أول مايو 2018 /المقولة التاريخية الخالدة (أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما) تعكس حاجة الشعوب الملحة للمسرح، إضافة إلى الرابط الأزلي الذي ترتبط به خشبة المسرح مع دور العرض (السينما)، وكلاهما يمثلان انعكاساً للهوية الوطنية لأي بلاد في العالم، وبالتالي تحمل مضامين رسائلها الفنية، خصائص تميز بها الشعوب، وبالتالي تجعل لها كيان مستقل تنفرد به وتحتفي به جميع أطياف المجتمع.
تباينت أسباب غياب السينما والمسرح في ليبيا لأسباب عديدة، بل يكاد لا يكون هناك ظرف أو سبب إلا وأثر بهما سلباً، ما يجعل الطريق نحو الحل وإزالة المعوقات، أمراً قد يستغرق أعواماً طويلة في ظل الظروف القائمة.
ارتبطت السينما والحركة المسرحية في ليبيا بفترة احتلالها من قبل إيطاليا العام 1911، حيث شهدت آنذاك ازدهارا متصاعداً ، وعلى الرغم من عمل أول دور عرض (سينما) العام 1908، لكن الحركة الفنية السينمائية ازدهرت منذ الاحتلال الإيطالي وحتى مطلع سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأت ما عرفت ب"النكسة" وتوالت إلى يومنا هذا، لتواجه الحركة الفنية من سينما ومسرح خطر الاندثار.
يروي عبد الله الزورق المخرج السينمائي الليبي الذي يعد من رواد القطاع الفني، والذي عاش فترات مختلفة عاصر عبرها حركة السينما، المشاكل التي رافقت دور العرض وحركة المسرح طيلة العقود الأربعة الماضية.
وقال الزروق، في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا))، ملخصاً تاريخ السينما والظروف التي تسببت في تعثرها، "في السبعينيات كان قطاع ذو ملكية خاصة، وكانت ليبيا خلال تلك الفترة من الدول الرائدة، حيث كانت تعرض أحدث الأفلام الأجنبية والعربية قبل عرضها في البلدان التي أنتجت فيها، وهو يعكس حالة الاهتمام والذوق الفني السائد في تلك الفترة الذهبية".
واستدرك قائلاً "لكن مع حلول العام 1979 جاءت فترة ما عرف بالتأميم، وضم كل دور العرض والعاملين إلى الشركة العامة للخيالة (هيئة حكومية للسينما شكلها نظام القذافي)، لتصبح الجهة المختصة والمسؤولة عن كل ما يتعلق بالنشاط الخيالي من إنتاج، وعروض، واستيراد، وتوزيع، وتسويق الأشرطة، وضم إليها جميع دور العرض، وهنا بدأت تخسر الكثير من رصيدها، بعدما كانت ليبيا قبلة للأعمال السينمائية ورائدة في ذلك".
وواجهت الهيئة العامة للخيالة والمسرح والفنون، عددا من القضايا المرفوعة ضدها أمام المحاكم الإدارية، بسبب النزاع على ملكيات دور العرض والمسارح.
وأصدرت المحكمة أحكامها في أربع قضايا ضد الهيئة عقب سقوط القذافي، حيث حكمت لصالح ملاك العقارات التي تشغلها دور العرض.
وأوضح رئيس الهيئة العامة للخيالة والمسرح والفنون بحكومة الوفاق الوطني محمد البيوضي، هذه العقبات التي أضرت بعملها، قائلاً "قام مجرمون وبعض الأشخاص بالاستيلاء على مقرات تابعة للهيئة، بل تطاول البعض ليقوم بتأجير هذه المواقع وإقامة محلات تجارية بعد هدمها، وهو أمر تسبب لنا بحسرة كبيرة على ضياع مثل هذا التراث الوطني والفني، التي كان يعرض من خلالها المبدعين والمثقفين أعمالهم عبر المسرح وكذلك الأفلام في السينما".
ومضى في حديثه مع ((شينخوا)) "لن نتهاون ونفرط في هذه الممتلكات التي تعود للهيئة، وسنواصل معاركنا امام القضاء والذي نثق في انحيازه وإعطاء كل ذي حق حقه".
ويوجد في جميع أنحاء ليبيا أكثر من 24 دور عرض (سينما) جميعها لا تعمل في الوقت الحالي، كما يوجد نحو 40 مسرحا، يعمل بعضها بشكل جزئي خاصة في شرق البلاد.
وعن محاولات إعادة وتنشيط هذا القطاع الفني، قال المخرج الليبي عبد الزروق "كانت هناك محاولات جادة في الفترة بين العامين 2009 - 2010، عندما تم الاتفاق مع شركات أجنبية لإعادة تأهيل دور السينما والمسارح، لكن عقب اندلاع الثورة العام 2011 توقف كل شيء وانهار، وتم سرقة معظم معدات الشركات، وللأسف توقف الحلم في إحياء دور السينما والمسرح من جديد في ليبيا".
ويدافع رئيس الهيئة العامة للخيالة والمسرح والفنون عن مشروع إحياء السينما والمسرح، قائلاً "البعض يرى أن هذه الأنشطة الفنية وما يتعلق بها، سلاح يمكن استخدامه في الجانب الإيجابي وعند جلوسي مع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، اتفق معي على أهمية إحياء السينما والمسرح في هذا الوقت الحرج بالذات، لما يمكن من خلالهما خلق الوعي والوطنية بين الليبيين وإعادة اللحمة فيما بينهم (...)، اعتقد المسرح والسينما أهميتهما من أهمية وزارة الدفاع، لأننا يمكن عبرهما بناء جيل مثقف خال من الأمراض الاجتماعية، وهو مكسب لا يقدر بثمن".
وعند الاطلاع على حالة دور العرض (السينما) والتجول في مواقعها تجدها في حالة فوضى، وعند الدخول إليها تجد معظم تجهيزاتها سرقت من كراسي ومعدات وأدوات التمثيل السينمائي، بل وصل الأمر في إحدى دور العرض إلى سرقة الأخشاب والعوازل في جدرانها.
وبالانتقال إلى المسرح، فهو مثل السينما له نصيب من الإهمال والتطاول على مقراته، وتعد قضية السيطرة على مسرح الكشاف أو ما يعرف بـ(المسرح الوطني)، نهاية عمل المسرحيين وتركهم بلا خشبة يؤدون أعمالهم عليها.
ويصف محمد البيوضي، مشاكل المسرح، "إلى جانب عدم وجود الميزانية لدعم الفرق الوطنية أو أهلية لخلق مسرح فعال في ليبيا، فهناك مشكلة انتزاع المسرح الوطني من قبل الحركة العامة للكشافة والمرشدات في ليبيا، ووجد مؤدو المسرح أنفسهم دون خشبة يعملون فوق أرضيتها، لتطلق رصاصة الرحمة بحقهم".
وردا على تساؤل يضع المسرحيين سبباً في فشل المسرح وغيابه، أكد رئيس الهيئة العامة للخيالة والمسرح والفنون "ربما ، لكن يجب الانتباه إلى أن الفنان ليس آلة نسخرها متى نشاء (...)، بعض الفنانين غيابهم بسبب انعدام التمويل المادي ومنحهم أجر مجزي نظير عملهم، كون الفنان مثل أي شخص اخر في المجتمع ، يريد العمل بتوفير الإمكانيات المادية المناسبة له، حتى يشعر بالرضى والاكتفاء، ويصبح قادراً على تقديم أفضل ما جعبته من قدرات فنية".
ولفت إلى أن "مهمة الفنان الذي يخرج على المسرح ليست سهلة، بل بالعكس هي مهمة نبيلة وغاية في الأهمية، كون الرسائل التي يقدمها للمتلقي تقلعه يتأثر سلباً او إيجاباً".
المخرج عبد الله الزروق، يرى أن كثيرا من دول العالم تريد الاستثمار في قطاع السينما والمسرح في ليبيا، لكن هذه الرغبة تصطدم بالتشريعات وعدم الاهتمام الحكومي اللازم لتطوير القطاع ، الذي يعد واجهة الشعوب، لأن الثقافة والفنون تمثل قوة ناعمة ، والشعب يريد هذه الفنون ليبتعد عن المشاكل السياسية التي أرهقته طوال الأعوام الماضية، بحسب وصفه.
وذكر المخرج الليبي، بالفترة الذهبية التى قامت فيها ليبيا بإنتاج أعمال سينمائية مشتركة مع مصر وتونس والمغرب وفرنسا قبل أربعة عقود، ونالت جوائز عالمية وإشادة من قبل النقاد.
وتعد أهم الأعمال السينمائية التي انتجت في ليبيا قبل نحو أربعة عقود، وحظيت بشهرة عالمية واسعة هو فيلم (أسد الصحراء) أو (عمر المختار)، الذي يروي قصة عمر المختار المجاهد الليبي ورفقائه المجاهدين في كفاحهم ضد الاستعمار الإيطالي.
وجسد بطولة الفيلم عبر شخصية عمر المختار الممثل الأمريكي الشهير (أنطونيو كوين) واختلف النقاد بالنقاش حول الشخصية التي أداها في الفيلم، حيث وصفها البعض بأنها واحدة من أفضل الأعمال التي جسدها في شخصية المجاهد الليبي الأكثر شهرة عبر التاريخ.
وتعد ليبيا واحدة من ثلاث دول إلى جانب (الكويت والمغرب) ، قامت بتمويل إنتاج فيلم (الرسالة) الشهير الذي يروي قصة ولادة النبي محمد (ص) ودعوته للإسلام، وقد تم تصوير جزء كبير من مشاهده على الأراضي الليبية.