بقلم : نؤاس الدراجي
طرابلس 3 مايو 2018 / عقب يوم واحد على الهجوم الدموي الذي نفذه عناصر تنظيم الدولة "داعش" على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالعاصمة طرابلس ، أثار الهجوم تساؤلات عدة حول مصير الاستحقاق الانتخابي المقبل وإمكانية فشله ، بعدما تسبب الهجوم في أضرار مادية كبيرة إلى جانب الأضرار النفسية والتي تعد قاصمة التأثير ، بمحاولة ضرب حماسة الليبيين في الذهاب إلى صناديق الاقتراع قبل نهاية العام الجاري .
الهجوم الإرهابي يمثل محاولة لإحباط الليبيين في مشاركتهم بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة ، بهدف ترويعهم وإشعارهم بأن المصير نفسه سيلقونه عند التوجه إلى مراكز الانتخابات ، هكذا وصف إسماعيل الشريف النائب في البرلمان الليبي ، هجوم داعش الأخير.
وقال الشريف في حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (الخميس) ، " لو أجريت الانتخابات في ليبيا فإن الدولة ستتوحد مؤسساتها خاصة الأمنية والعسكرية ، وسيتم تهديد وجود بقايا الإرهابيين ، لذلك هم يحاولون بشتى الطرق منع إقامة أي عملية ديمقراطية جديدة تنهي بقائهم ، والدليل أنهم هاجموا تحديدا قاعدة البيانات بالمفوضية ، بهدف تدمير كل المعلمات التي تمكن من إقامة أي عملية انتخابية " .
وأشار النائب البرلماني ، بأن الهجوم الإرهابي أظهر وكشف "حجم هشاشة الوضع الأمني في ليبيا" ، قائلاً في هذا الصدد " نحن اليوم نحتاج إلى عمل أمني يقوم على الاستخبارات ، وللأسف العمل الحالي للأجهزة الأمنية غير احترافي ، لأن معظم هذه الأجهزة يحتاج أفرادها إلى التأهيل والتدريب على مثل هذه الهجمات ، خاصة امتصاص الصدمة ووضع خطط سريعة لمعالجة الأخطاء السابقة " .
وقتل 15 شخصا وأصيب 21 بجروح في هجوم "انتحاري" استهدف مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا أمس .
وتشمل حصيلة القتلى 9 موظفين بالمفوضية و4 رجال أمن واثنين من داعش، بحسب عبد الدائم الرابطي، مسؤول المستشفى الميداني (طرابلس) بوزارة الصحة لحكومة الوفاق الوطني.
وتبنى الهجوم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ، حيث قام " أبو أيوب وأبو توفيق" استجابة لنداء المتحدث باسم داعش "أبي حسن المهاجر" باستهداف "مراكز للانتخابات الشركية والداعين لها" ، بحسب ما نشرت وكالة ((أعماق)) الذراع الإعلامية للتنظيم عبر ((تويتر)).
ويطلق التنظيم المتطرف وصف "الانغماسي" على عناصره التي تقوم بتنفيذ عمليات الاقتحام لأماكن يستهدفها بهجمات.
وقال خالد الترجمان رئيس مجموعة العمل الوطني ( منظمة غير حكومية) ، يعتقد أن مثل هذه الهجمات كانت "متوقعة" ، وكان يجب الانتباه لمثل هذه التحركات .
وتابع ، " خطورة تحركات عناصر داعش " الذئاب المنفردة" ، تكمن في أنها تستطيع الضرب في مكان أو مدينة على نحو مفاجئ ، وربما يتم استهداف مناطق بعينها ويجب الانتباه خاصة ونحن مقبلين على شهر رمضان ، حيث تكتظ المساجد والأسواق بالناس ، لذلك ربما سيحاول الإرهابيون إحداث هجمات لها تأثير مماثل لهجوم المفوضية " .
وأوضح الترجمان في تصريح ل((شينخوا)) عبر الهاتف من بنغازي ، " داعش وأخواتها من الجماعات الإرهابية والإسلاميين ، ليس من مصلحتهم إقامة انتخابات تهدد وجودهم ، وخير وسيلة لنقل مثل هذا الرسالة الرافضة ، هي استهداف مقر المفوضية رمز العملية الديمقراطية في البلاد " .
وردا على سؤال نوعية المواد شديدة التفجير التي استخدمها في الهجوم الانتحاري ، قال " هذه المواد لا يمكن أن نجدها في ليبيا ، وقد تحصلت على معلومات من طرف رجال أمن كبار صحة هذا القول ، واعتقد أن الهجوم الإرهابي الذي نفذ أحدث تفجيراً مدمراً وفي ذات الوقت حارقاً ، حيث تعرضت المفوضية بفعل تفجير الانتحاري إلى حريق شبه كلي ، وهو دليل على قوة وحساسية المواد المستخدمة في سترتي الانتحاريان " .
وأضاف ، " لا يساروني الشك بأن أدوات تنفيذ الهجوم ، تقف ورائها مخابرات أجنبية متورطة فيه دول بعينها ، تحاول إفشال أي مشروع للحل في ليبيا مع اقتراب إقامة الانتخابات " .
واتفق النائب البرلمان إسماعيل الشريف مع طرح الترجمان ، حيث أكد بأن حصول داعش على مثل هذه المواد ، قطعا يأتي من وراء الحدود ، قائلاً " الحدود ومنافذ الدولة غير مؤمنة يدخل منها مهاجرين بشر وممنوعات ، فما بال حقائب صغيرة تحوي مواد متفجرة ، أرى أنه أمر لن يجد التنظيم صعوبة في التعامل معه ". ويأتي الهجوم في ظل تحضيرات تجريها حكومة الوفاق الوطني الليبية والمفوضية بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة لانتخابات رئاسية وبرلمانية يُؤمل إجراؤها قبل نهاية العام الجاري، بحسب خطة طرحها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.
وأنهت مفوضية الانتخابات في ليبيا عملية تسجيل الناخبين في نهاية مارس، وأعلنت في العاشر من أبريل أن عدد الليبيين الذين سجلوا أسماءهم بلغ 2.43 مليون ناخب بنسبة 53.26 في المائة من إجمالي 4.4 مليون ليبي مؤهلين للتسجيل.
وحظيت عملية تسجيل الناخبين بإشادة دولية كبيرة ، ووصفت بأنها "الأفضل" في ظل الظروف الأمنية غير المستقرة في ليبيا .
بدوره ، أكد عبد الحكيم بالخير ، نائب رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في تصريح ل((شينخوا)) ، بأن " المفوضية لن ترضخ لمثل هذه الهجمات وإن كانت مؤلمة ، وستنهض وتقف مجددا ، لأننا لن نسمح بضياح تضحيات الشهداء الذين سقطوا من أجل ليبيا " .
وأكد بالخير ، بأن " امتلاك المفوضية لقاعدة بيانات كاملة احتياطية ، سيجعلنا نستأنف عملنا مجددا خلال فترة وجيزة ، وبالتالي نكمل برامجنا التحضيرية لأي استحقاق انتخابي مقبل (...) ، حاول الإرهابيون كسر عزيمتنا لكننا بتنا أقوى وأصلب في مهمتنا " .
وتعاني ليبيا من فوضى أمنية وصراع على السلطة بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا من جهة، وحكومة وبرلمان في شرق ليبيا تدعمهما قوات يقودها المشير خليفة حفتر من جهة أخرى، منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في العام 2011.