احد شوارع بكين خلال فترة انتشار السارس عام 2003 |
بقلم/د. فايزة كاب ، خبيرة في صحيفة الشعب اليومية أونلاين، باحثة في الشؤون الصينية والدولية
رن الهاتف.. والدي من الجزائر في صوته نبرات الخوف و القلق واضحة .. مابك خيرا ان شاء الله ماذا جرى سالته مباشرة .. كلنا بخير، سمعت اليوم اخبارا غير سارة بشان الفيروس المنتشر في الصين وأن منظمة الصحة العالمية قد أعلنت حالة الطوارئ العالمية ، وأن الفيروس منتشر في اكثر من 15 دولة عبر العالم، ما يعني ان الوضع مقلق للغاية .. هل تتذكر عام 2003 وظهور فيروس خطير غير معروف في بكين عرف بعد ذلك بالسارس .. نعم اتذكر لكن لم يخلق هذه البلبلة ولم تعلن الطوارئ العالمية.. لا تقلق كل الامور هنا مسيطر عليها والحكومة الصنيية مسيطرة على الوضع وهي على درجةعالية من الاحتواء والجاهزية في التعامل الميداني مع الفيروس، والمشكلة في الوقت فقط لان ظهور الفيروس يوافق عيد الربيع في الصين فترة التنقل الكبرى للصينيين.. الصين دولة عظمى ونتوقع منها هذاالأداء السريع لمواجهة الفيروس ، حافظوا على صحتكم واحذروا من الاختلاط والخروج الكثير الى الشارع .. انتهت المكالمة.
أعادت المكالمة الهاتفية الذكريات الجميلة والمواقف تعلمت منها واعطتني الدافع للتغيير في نمط الحياة، ذكريات انتشار مرض الالتهاب الرئوي الحاد / سارس/ عام 2003 ويومياتي في تلك الفترة التي لم تكن هناك مواقع التواصل الاجتماعي و اساليب الاتصالات المتطورة حاليا ،وانما كنت اتواصل مع الاهل والاصدقاء عبر الهاتف المحمول لنقل الاخبار الحقيقية للاهل والتخفيف من قلقهم والحد من الذعر والتخفيف من الضغط النفسي ، والتبادل بيني وبين الاصدقاء الصينين والاجانب في بكين للمعلومات حول كيفية انتقال الفيروس الذي ينتشرعبر رذاذ يَدخل الهواء عندما يَسعل شخص ما مصاب بالمرض، أو يَعطس، أو يَتحدث، أوعبر التلامس وجهًا لوجه، إلا أن الفيروس قد يَنتشر أيضًا على الأجسام الملوَّثة مثل مقابض الأبواب، والهواتف، وأزرار المصاعد، ومحاولة الوقاية بغسل اليدين،ارتداء قفازات لاستخدام المرة الواحدة، وتخلص منها على الفور بعد الاستخدام ،ارتدِاء القناع، تنظيف المتعلقات الشخصية،ومحاولة التقليل من الخروج إلا في وقت الضرورة. وشأني شأن الكثير من الاجانب واهالي مدينة بكين ،لم نخرج في تلك الايام من البيوت بل لزمنا قدر الامكان لضمان سلامتنا،ولا نخرج من البيت حتى انني لا اذهب الى السوق لان مستلزمات الحياة اليومية موجودة في بيتي وتكفينا ، كما أنه في تلك الفترة كنت انا وزوجي فقط باستطاعتنا التحكم في استخدام مستلزمات الحياة اليومية، وبقيت في البيت مغتنمة الفرصة لاتمام كتابة بحث التخرج ، حيث كنت انذاك طالبة ماجستير فيجامعة تكوين المعلمين ببكين، او مشاهدة البرامج التلفزيونية.
وقد شهدت خلال تلك الفترة ايضا كيف انتصرت الصين على فيروس السارس، من خلال تطبيق نظام " الدوام المتناوب ، واستراحة العاملين بشكل متناوب أيضا،، كما الغيت انذاك الاجازة الطويلة في عيد العمال العالمي المصادف أول مايو ، من أجل تفادي زيادة انتشار الوباء بسبب تنقل الناس بين المناطق المختلفة .نظرا لان مرض السارس يعد نادرا جدا واعراضه تشبه بشكل كبير اعراض الانفونزا والالتهاب الرئوي فإنه غالبا لا يشك في المرض الا اذا كان الشخص يسكن في مكان معروف بتفشي هذا المرض فيه . وأذا اشتبه في اصابة شخص بمرض السارس يبقى معزولا في المستشفى واعطائه العلاج المناسب على حسب الحالة ، ولضمان علاج جميع المصابين بنت الصين مستشفى بكين في سبعة ايام فقط ،محطمة الرقم القياسي العالمي لاسرع عملية بناء مستشفى.
ولم تقتصر خطورة السارس على صحة البشر بل امتدت لتشمل الفيروس خسائر كبيرة للصين في قطاعات المطاعم والفنادق والتجارة والسياحة والمواصلات وقطاعات الخدمات الاخرى . ويعتبر قطاع السياحة الصيني من أكثر قطاعات الخدمات الاخرى تضررا بمرض سارس حيث ألغى الكثير من السياح الاجانب زياراتهم الى الصين، كما شهدت الدورة الثالثة والتسعين للمعرض التجاري في مدينة قوانغتشو إنخفاضا ملحوظا في عدد التجار الاجانب المشاركين فيها ، كما تم إلغاء كثير من الاجتماعات والمحادثات التجارية في الصين أيضا.
طبيبان يسعفان مصاب بفيروس كورونا في إحدى مستشفيات بمدينة ووهان
في الواقع ، تشبه اعراض مرض السارس الى حد كبير اعراض فيروس " كورونا " الجديد الذي ظهر نهاية هذا العام في مدينة ووهان الصينية، وحدد الخبراء انه ربما إنتقل من الحيوانات إلى البشر. لكن، ما لاحظته أن معدلات الوفاة ضئيلة بالنسبة لعدد المصابين ومعظمهم يتعافون تماماً، ووفقا للاحصاءات الرسمية المعلنة يوم 3 فبراير الجاري، فإن عدد المتعافين من كورونا اكثر من الموتى:475 تعافوا مقابل 361 موتى، ووفقاً للمسؤولين الصينيين، معظم الوفيات كانت من بين كبار السن أو المصابين بأمراض أخرى تضعف من جهازهم المناعي. وكان التعرف على فيروس كورونا بعد أسبوع من اكتشافه والتوصل إلى أنه فيروس جديد أسرع من السارس، وتوصلت السلطات الصينية بالفعل إلى التسلسل الجيني للفيروس وشاركته مع مختبرات مختلفة في جميع أنحاء العالم .. فلماذا كل هذا الذعر من «كورونا»؟
لا يبدو الفيروس حتى الآن قاتلاً أو فتّاكاً كما كان معدل الوفيات بين مصابي فيروس سارس 9.6%، بينما تبلغ نسبة الوفيات جرّاء الإصابة بفيروس كورونا الجديد حوالي 2% فقط. لكن، الفرق في سرعة الانتقال ،حيث فاق عدد الحالات المصابة بعد شهر واحد من ظهور المرض العدد الإجمالي للمصابين بفيروس سارس على مدار ثمانية أشهر. وأعتقد أن فترة ظهور الفيروس التي تزامنت مع اكبر فترة سفر وانتقال بين الشعب الصيني بمناسبة عيد الربيع ، السنة القمرية الصينية اهم الاسباب التي جعلت انتشار الفيروس بهذه السرعة الكبيرة. لكن، بمجرد اكتشاف فيروس كورونا الجديد الذي اعتبره الاطباء في البداية فيروس السارس للتشابه الكبير بينهما، عززت الصين القيود على التنقل سعيا منها لكبح انتشار فيروس كورونا. وأقرّ الرئيس الصيني شي جين بينغ مباشرة بأنّ الوضع "خطير"، محذّراً من "تسارع" انتشار الفيروس.
وكانت بكين قد أصدرت في 31 ديسمبر العام الماضي أول تحذير بخصوص هذا المرض وأبلغت منظمة الصحة العالمية بالعديد من حالات الإصابة بالفيروس في ووهان. وأكدت لجنة الصحة الوطنية بالصين يوم26 يناير 2020، أن قدرة فيروس كورونا على الانتقال تزداد قوة وأن عدد حالات الإصابة بالعدوى قد يواصل الارتفاع، أن فترة حضانة فيروس كورونا الجديد يمكن أن تتراوح بين يوم و14 يوما، وهي فترة كافية لظهور المرض لدى الحاملين للفيروس.
وفي ظل الشفافية التي تميز الحكومة الصينية في نشرالاخبار والمعلومات ذات الصلة ،والاجراءات والتوجيهات الكفيلة بتعزيز المسؤولية والقدرة على الصمود في محاربة الفيروس، يمكن القول ، أنه سيتم السيطرة على انتشار هذا الفيروس بصورة مبكرة. وأن التاريخ يشهد على أن الصين استطاعت التخفيض في انتشار الأمراض المعدية وعبئها منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، وهو إنجاز تحقق عبر التدخلات الصحية الفعالة والواسعة النطاق وبرامج التطعيم الكبيرة للسكان.ونجحت الصين في القضاء على امراض معدية كثيرة ، بما في ذلك الجدري قبل 19 عاما من استئصاله عالميا، و شلل الأطفال. وتعتمد أنظمة المراقبة للأمراض المعدية في الصين بشكل رئيسي على المستشفيات، ويقدر أنه عام 2018 تجاوز عدد المستشفيات 33 ألفا، توفر أكثر من ستة ملايين سرير، ويعمل في القطاع الصحي أكثر من 12 مليونا.