عباس جواد كديمي
في الظروف السلسة - التي نتمناها للجميع - تمرّ حياة الإنسان كالمعتاد، والمعتاد قد لا يترك ملاحظة ترنّ في ذاكرة المرء، وهذه هي طبيعة معظم البشر. ولكن، في الظروف الحرجة والمعقدة، من الطبيعي أيضا أن يركز المرء ذاكرته ويعصرها على كل شاردة وواردة، أي أنه يتابع تطورات الظروف، ويسعى بالتأكيد لتمرّ الأيام الحرجة بشكل سلس آمن بأقصى سرعة وبأقل قدر من الآثار المحتملة. وفي ظل هذه الظروف، هناك بالتأكيد فرصة للتعلم واكتساب التجربة والخبرة. والظروف التي مرّ بها الصينيون خلال الشهرين الأخيرين على الأقل، ونتمنى بصدق أن تنتهي بسرعة، يمكن أن نقول عنها إنها ظروف فيها تجارب قاسية لن تُمحى من ذاكرة الصينيين بسهولة. الظروف المقصودة هنا ناجمة عن تفشي فيروس كورونا الجديد، الذي بات يعرف علميا بكوفيد – 19.
وبما أنني أعيش معهم، في هذه الظروف، اسمحوا لي بمشاطرة ملاحظاتي عن الوضع الحقيقي الحالي في الصين، وكيف يواجه الصينيون هذه الظروف. والهدف الرئيسي هو نقل تجربة آمل أن تكون مفيدة في الاستعداد لظرف مماثل - لا سمح الله -، وعسى أن تسهم خيرا في مواجهة هذا الخطر، أي الفيروس الذي ينتشر حاليا في العديد من دول ومناطق العالم، بما ينذر بتحوله لخطر وباء عالمي، إذا لم يتم بذل جهود مشتركة حقيقية لمواجهته بحزم وفعالية.
فترة لن تُنسى في ذاكرة الصينيين
مما لا شك فيه أن الفترة من نهاية ديسمبر 2019 ومطلع مارس 2020 (على الأقل)، ستبقى محفورة في ذاكرة الصينيين. فخلال هذه الفترة، شهدت مدينة ووهان بمقاطعة هوبي وسط الصين، تفشي الفيروس الغامض (كوفيد – 19)، المسبب للالتهاب الرئوي الحاد. وانتشر الفيروس سريعا إلى خارج المقاطعة، ووصل لمعظم مناطق الصين. أصل الفيروس ومنشؤه لم يُحدّدا علميا بدقة حتى الآن، ولكن التوقع العلمي الأعمّ هو أنه نشأ من الطبيعة، كما هو الحال مع معظم الفيروسات الأخرى، وليس من صنع البشر.
الصينيون بوغتوا لأنهم كانوا في ذروة الاستعداد لأهم عطلة شعبية رسمية في البلاد، وهي عطلة عيد الربيع التقليدي، أو رأس السنة القمرية الجديدة، والتي صادفت (العطلة) هذا العام للفترة من 24 يناير والمفروض إلى 31 منه، على أن يعودوا لأعمالهم بعد العطلة. ولكن العطلة مُدّدت اضطراريا بسبب الفيروس، وهذا التمديد له وجهان، سأسعى للتطرق إليهما في هذا المقال المتواضع.
الصين دولة شاسعة المساحة (9.6 ملايين كيلومتر مربع مساحة يابستها)، كثيرة السكان (نحو مليار و400 مليون نسمة، أي خمس سكان الأرض)، وخلال فترة عطلة عيد الربيع، تشهد البلاد أكبر موجات تنقل بشرية على سطح كوكبنا، ويمكنك أخي القارئ الكريم، تخيّل مدى حجم المهمة الهائلة الملقاة على عاتق النقل والمواصلات، والقطاعات الخدمية الأخرى بالبلاد. عطلة عيد الربيع في الصين، يتم الاستعداد لها قبل أسبوعين، وتمتد تكملتها (والاسترخاء بعدها) لأسبوعين آخرين، يعني شهر بأكمله. إنها مناسبة خاصة جدا، قديما وحديثا، فيها كل ما يتصور المرء من احتفالات العيد وبهجته ومشاعر الألفة واللمّة العائلية، ناهيك عن الهدايا وحفلات الطعام والشراب التي كانت بسيطة وأصبحت مؤخرا فاخرة. كل هذه الأجواء المرافقة لعيد الربيع اختفت تماما، وحلت محلها ظروف صعبة وتحديات جسيمة، رأيتها بعيني وعايشتها، وهي الحافز لي لكتابة هذه الأسطر، لنقلها لأصدقائي القراء العرب، والتعبير أيضا عن تحية تقدير للصينيين الذين حُرموا هذا العام من أهم فرصة احتفالية لديهم، ولنرفع أيدينا جميعا بالدعاء لله تعالى أن يعوّضهم خيرا، لأنه سبحانه خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، وهو الذي ينشر شعاع رحمته على كل البشر، لا يفرّق بين هذا وذاك. لقد اتخذت الصين قرارا صعبا ومكلفا، ولكن لا بد منه لحماية الناس. وقررت تمديد العطلة لأجل غير مسمى في حينه، لتفادي عودة الملايين إلى مساكنهم ومواقع عملهم، بعد الإجازة. ففي ظل فترة حساسة لتفشي الفيروس، ستكون هناك احتمالية خطيرة كبيرة لمزيد من انتشار الفيروس بين الناس المكتظين بمحطات القطارات والمطارات، والمسافرين لأعداد هائلة على متن كافة وسائل النقل. ولكن على الوجه الآخر، هذا سيعني تأخر أعمال الناس وإنتاجيتهم وعودة الحياة لطبيعتها، وقد اختارت الصين الكلفة الاقتصادية لتضمن سلامة الناس، ليس في داخلها فحسب بل في خارجها أيضا.
ولأنها دولة مسئولة وعالمية التوجهات، قررت الصين مؤخرا، على ضوء التطورات الإيجابية في مجال كبح انتشار الفيروس، وتزايد المتعافين منه، وتقلص المصابين به، قررت أن تعود الحياة لطبيعتها، وفقا لمرونة تتحلى بها مقاطعات ومناطق البلاد، على ضوء ظروفها الواقعية، بما يخدم ضمان التطورات الإيجابية لكبح الفيروس، وعدم عودته، وضخ الحيوية لحياة الناس وإنتاجيتهم، وخدمة سلسلة الإمداد بالعالم، بعد أن تضررت هذه السلسلة كثيرا نتيجة لهذه الظروف، لأن الصين هي المورد الأول والهام لسلسلة الإمداد بالعالم.
رغم المباغتة
الصين دولة ذات حضارة عريقة تضرب جذورها في أعماق التاريخ، ولها إسهامات بارزة في تاريخ الحضارة البشرية. وفي العصر الحديث، أثبتت أنها دولة مسئولة ومساهِمة إيجابية للسلام والتنمية بالعالم. والشعب الصيني منضبط ويشعر بالمسئولية تجاه بلده، والعالم.
إن عنصر المباغتة كان موجودا فعلا فيما يتعلق بانتشار فيروس (كوفيد – 19)، الذي ما زال غامضا حتى الآن. ولكن، لا بدّ من الإشارة لحقيقة أن المباغتة لم تكبح عزيمة الدوائر الصينية المعنية، وخاصة الجهات الصحية والطبية والعلمية، من أن تسارع لمواجهة الخطر الداهم. ومن الطبيعي أنها كانت بحاجة لوقت، لأن مثل هذه الأمور تحتاج لبحوث متعددة الأوجه سواء بموقع تفشي الفيروس، أو بالمختبرات، ولا بد من الدقة لأن كل خطوة تتعلق بحياة البشر وسلامتهم. وهذه الواقعية العلمية في التعامل مع الفيروس المباغت، قد فرضت نفسها بصورة طبيعية، وتجسدت في أن جهود الباحثين الصينيين قُوبلت بجهود تعاونية من مختلف أنحاء العالم. فالفيروس لا يعرف حدودا، ولا يميّز بين هذا وذاك، والعالم اليوم يشهد عولمة واضحة وبات أكثر ترابطا، ومن الصعب جدا، بل ومن المستحيل، وقف حركة البشر وتنقلاتهم. ولهذا، فإن الظروف الحقيقية تستوجب ضرورة تضافر الجهود لكبح الفيروس والقضاء عليه، حتى لا يتحول لوباء عالمي.
الظروف لا تتحمل التحيز السياسي
الفيروس والمرض الخطير الناجم عنه، أمران يجب تناولهما علميا، ويجب النظر أولا إلى تخفيف معاناة البشر، وضرورة الحفاظ على سلامتهم، وسلامة الصحة العامة عالميا. لذلك، فهذه الظروف لا ينبغي استغلالها للتمييز السياسي أو الإيديولوجي أو على أساس العرق أو الجنس. ولكن من المؤسف في مثل هذه الظروف الحساسة، أن الواقعية العلمية لم تجد القبول والتبنّي لدى من يتربصون ويتصيدون الأخطاء لدى الآخرين. هناك البعض، وخاصة في عالم السياسة، من يرون هذه الظروف فرصة ليخالفوا الطبيعي، حتى يكسبوا شهرة أو مكسب شخصي قصير الأمد، مُتناسين التحدي الذي يواجه البشرية، وضرورة العمل سوية لكبحه، أينما كان وضد أي كان.
وبعد ظهور الفيروس في ووهان، سارع سياسيون غربيون، وخاصة أمريكيين، ومعهم إعلاميون من المحافظين الجدد، لتوجيه سهام انتقاداتهم للصين واتهامها بالتقصير وأنها منشأ الفيروس. لقد كان من المتوقع أنهم يوجهون سهامهم ضد الصين، فهي هدفهم المرصود، وهذا معروف، رغم أنه من عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن. ولكن الشيء الغريب غير المتوقع هنا، هو أنهم يزعمون، بلا دليل علمي، أن الصين هي منشأ الفيروس، وأن الصينيين هم السبب، مخالفين بهذه المزاعم، الأدلة العلمية والبحثية من خبراء عالميين من كافة أنحاء العالم، بأن الفيروس نشأ من الطبيعة مثل الفيروسات الأخرى. ولا يمكن، علميا وعقلانيا، اتهام ووهان بأنها منشؤه. إن مزاعم بعض الغربيين المتحاملين على الصين، لم تقابل بالنفي التام من قبل علماء مشهورين محترمين بمجالات الأوبئة والفيروسات في العالم فحسب، بل أصبحت مثار استهجان وسخرية أيضا.
هناك إعلامي أمريكي يعمل بقناة إخبارية معروفة بخطها المحافظ، وتركز اهتمامها على كسب اشتراكات الزبائن، أكثر من الالتزام الإعلامي الواقعي المطلوب، وهو لم يزر الصين ولا يعرف واقعها فعليا، ولكنه تهكّم ساخرا وزعم أن الصينيين جياع، وهم يأكلون أشياء غريبة نجم عنها الفيروس. وإذا نظرنا إلى التغطية الإعلامية النزيهة المعروفة، فمن المؤكد أن زعمه هذا غريب جدا، ومخالف للحقيقة تماما، ويتوجب عليه وعلى أمثاله أن يبذلوا الجهود للتعرف على حقيقة الصين وواقع الشعب الصيني بعد هذه السنوات المميزة للتنمية الاقتصادية الهائلة التي جعلت الصين ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، والقاطرة التي تقود النمو الاقتصادي العالمي. إن مزاعمه هذه، ومزاعم بعض الساسة والمشرعين الأمريكيين، تظهر الفرق بين الإعلام الملتزم والإعلام التجاري الاستفزازي، ولكنها لن تنجح في إخفاء حقيقة أن الصين الجديدة دولة مسئولة كبيرة تسهم بالكثير للعالم، ومنفتحة على العالم، ولا يمكن أبدا تجاهل دورها الحيوي بكافة القطاعات بالعالم، ولا يمكن ثني عزيمتها على تحقيق مستقبل مشترك للبشر بالعالم.
الإنسان العاقل والواقعي لا يتدخل فيما لا يعنيه، وينبغي أن يتحلى بالمسئولية ليفسح المجال لذوي الاختصاص، كل في مجال تخصصه، ليعملوا ويحققوا نتائج مفيدة للناس، بدلا من إعاقة عملهم. نتمنى من الجميع أن يتركوا المجال للعلم والعلماء والخبراء، بأن يركزوا جهودهم على اكتشاف المزيد عن الفيروس وخصائصه، حتى يتسنى استكشاف اللقاحات اللازمة لإنقاذ حياة البشر، ووضع نهاية سريعة لهذه الظروف التي باتت آثارها السلبية واضحة على العالم أجمع.
القيادة الحكيمة هي صمام الأمان لهذا الشعب
منذ اندلاع هذه الأزمة، تحلّت الصين، شعبا وحزبا وحكومة، بروح المسئولية للحفاظ على سلامة ليس شعبها فقط، بل سلامة شعوب العالم أجمع. وقد اعترف الكثيرون بالعالم بروح المسئولية هذه للتعامل مع الخطر المباغت. وسارعت القيادة بالصين، وعلى رأسها شي جين بينغ، رئيس البلاد وهو أيضا السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، لأخذ زمام المبادرة وقيادة الجهود وتوجيهها نحو هدف تحقيق النصر التام المؤكد في الحرب الشعبية ضد هذا الفيروس. لقد مرت الصين في تاريخها القديم والحديث بالكثير من الأزمات، وفي كل مرة تخرج منها أكثر قوة.
في ظل هذه الظروف الحساسة، لم يبق شي جين بينغ في مكتبه لقيادة الجهود، بل خرج للمواقع الشعبية لتفقد التدابير والإجراءات المتخذة فعلا في حملة مكافحة الفيروس. وزار في 10 فبراير 2020، عدة مواقع في بكين، لها علاقة بأعمال الوقاية من تفشي الفيروس، وتواصل مع العاملين الصحيين في الجبهة الأمامية للحرب الشعبية ضد المرض، أي في ووهان، عبر الفيديو كونفرس، واستمع لهم، وتحدث إليهم، ثم زار شخصيا المواطنين في حيّ سكني بمنطقة تشاويانغ ببكين، للاطمئنان عليهم وعلى الجهود المبذولة على المستوى الأولي. وكان قد أوفد رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ، إلى ووهان، في 27 يناير المنصرم، ليطلع عن قرب على تطورات الحملة الشعبية لاحتواء الفيروس، وضمان معالجة المرضى، وتأكيد دعم الصين شعبا وحزبا وحكومة لأهالي ووهان البطلة.
وخلال زيارته التفقدية في بكين يوم 10 فبراير، ظهر الرئيس شي، وهو يضع على وجهه كمامة طبية، في إشارة واضحة على حساسية الوضع، وضرورة إسهام الجميع بتعزيز السلامة بما يؤدي إلى دعم جهود البلاد في حملتها هذه. إن وجوده على رأس الحملة الشعبية هذه، وظهوره بين مواطنيه، يبعث الكثير من الثقة والقوة والطمأنينة بين الناس. ثم ظهر يوم الجمعة 6 مارس الحالي، في ندوة هامة ركزت على ضرورة تحقيق هدف البلاد في القضاء التام على الفقر، ولم يكن يضع كمامة طبية على وجهه. لقد كانت إشارة جعلتني أشعر بمزيد من الطمأنينة على أن الحرب الشعبية في الصين ضد الفيروس تحقق نتائج فعلية ملموسة. وفي ظل هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الصين، لم يتوان شي جين بينغ في أن يركز على الهدف الأسمى للبلاد في هذا العام 2020، وهو القضاء على الفقر المدقع وخاصة في أرياف الصين، وتحقيق هدف بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، ولم ينس بالطبع خلال هذه الندوة الهامة، التأكيد على الهدف المهم الحالي وهو القضاء على الفيروس وتحقيق النصر النهائي في المعركة الشعبية ضده، لأن هذه النصر مفتاح هام من مفاتيح الهدف الأسمى وهو تحقيق الحياة الكريمة الصحية الآمنة للشعب الصيني.
لماذا التحية المستحقة للصينيين
هذه التحية ليست مستعجلة ولا سابقة لأوانها، بل هي استحقاق في زمانه ومحله. وهناك مبرر قوي يدفعني لأعبر عن تحية صادقة لهذا الشعب، الذي لا يزال يمر بهذه الظروف التي يفرضها تفشي فيروس كورونا الجديد. منذ الإعلان الرسمي في مطلع يناير عن تفشي الفيروس، وشنّ حملة الحرب الشعبية ضده، أظهر الشعب الصيني مزايا تستحق التقدير والاحترام والاعتراف والتحية، وتجسدت تلك المزايا في الجهود والروح الكفاحية والالتزام والانضباط، والخدمة المجتمعية التطوعية وروح المسئولية صينيا وإقليميا وعالميا، والاستعداد لتشاطر المعلومات والخبرات والتجارب، لما فيه خير البشرية جمعاء.
قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في 30 يناير المنصرم، أمام الصحفيين في جنيف "إن الصين تستحق امتنان المجتمع الدولي واحترامه لقيامها باتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة جدا، لاحتواء تفشي الفيروس، ومنع انتقاله لخارجها".
علينا أن ندرك هنا أن ما قامت به الصين لم يكن بسيطا، ولا بد من إدراك حجم الجهود والتضحيات التي بذلها الصينيون. فعلى الجبهة الأمامية لمكافحة تفشي الفيروس في مدينة ووهان، بذل الأطباء والعاملون بالرعاية الطبية والصحية جهودا جبارة لمساعدة المرضى، حتى أن العديد من الأطباء فارقوا الحياة، تاركين عائلاتهم خلفهم، وهذه تضحيات لا يمكن تجاهلها. ومن أجل الناس أيضا، وعلى ضوء الحاجة الطارئة المباغتة، سارعت الجهات المختصة بالصين، لبناء مستشفيّين مؤقتين وأكملتهما بأقل من أسبوعين، الأمر الذي حظي بإشادة وإعجاب الجميع في المجتمع الدولي. وتحمل الصينيون أيضا أعباء أخرى، تمثلت في تخليهم عن أعمالهم ومصالحهم لفترة طويلة نسبيا ناجمة عن تفشي الفيروس ببلادهم، واضطر الجميع تقريبا، موظفون عامون وخاصون، وطلاب بمختلف المراحل، وغيرهم، للبقاء بمنازلهم طوعا واضطرارا، للإسهام بأي جهد ممكن في حربهم الشعبية لكبح انتشار الفيروس. ولحسن الحظ في مثل هذه الظروف القاهرة، هناك تطور علمي رقمي حققته الصين خلال السنوات الأخيرة، وخاصة العقد المنصرم، بحيث أسهمت البُنى التحتية الرقمية في تسهيل الكثير جدا من الأعمال والنشاطات، سواء في حملة مكافحة تفشي الفيروس، أو بجهود علاج المرضى، أو مساعي البحوث العلمية الرامية لمعرفة المزيد عن الفيروس، وإيجاد العلاجات واللقاحات المضادة له، أو في تسهيل حياة الناس. لقد آثر الناس هنا بالصين طوعا، البقاء في منازلهم، للإسهام بالجهود الرامية لكبح تفشي الفيروس واحتوائه. والحمد لله تعالى، لم يجد الناس، ونحن منهم، الكثير من المعاناة في ظل ملازمة المسكن طوال اليوم، وعلى مدى عدة أسابيع. من الجدير بالذكر هنا أن حياة الناس تسير بشكل شبه عادي فيما يتعلق بتوفر المستلزمات الأساسية للحياة اليومية، فكل شيء متوفر، وبالإمكان شراء أي شيء نحتاجه سواء من المتاجر الفعلية، المجهزة بكل شيء، حيث يمكن الذهاب بأي وقت، ولكني شخصيا، ومعي الكثيرين، آثرنا التسوق مرتين بالأسبوع، حفاظا على السلامة العامة. وبالإمكان أيضا التسوق الإلكتروني، وهذا التسوق شائع جدا بالصين خلال السنوات الأخيرة. ويمكن للمرء طلب أي شيء من أقصى الأرض، ويأتي إليه لباب مسكنه، ولكن الآن، تصل الحاجيات المطلوبة لباب المجمع، حيث لا يمكن لمن هم من خارج المجمع، الدخول إليه عشوائيا، في ظل الظروف الحالية، ضمانا لصحة الجميع. أما تداول العملات النقدية الورقية أو المعدنية، فقد اختفى تقريبا في الصين، منذ 5 سنوات على الأقل، في ظل التسوق الإلكتروني، ولم تعد هناك حاجة للتعامل بالنقد، وكل شيء يمكن أن يتم عبر تطبيقات إلكترونية بسهولة ويسر تامّين.
وبمناسبة التطرق للعملات النقدية الورقية، هنا يتزايد قلقي على أبناء شعبي العراقي العزيز؛ فقد سمعت بواعث قلقهم بسبب كثرة التعامل بالعملات النقدية الورقية، والمخاطر المحتملة فيها، لأنها تنتقل بين عشرات الأيادي التي ربما تكون قد لامست، بدون عِلم، سطحا عليه فيروس. إن أملنا بالله كبير، وثقتنا بوعيهم وحرصهم عالية، وليس أمامنا إلا الدعاء بالأمن والأمان للبشر جميعا.
ولا بد من الإشارة هنا أيضا إلى الموقف العربي المُشرّف المتضامن مع الشعب الصيني، وهذا أمر متوقع على ضوء العلاقات الودية التاريخية التي تربط بين الشعبين العربي والصيني، وهو دليل أيضا على أن هذه العلاقات تزداد عمقا ونضوجا في كافة الظروف، وهي مناسبة طيبة لمزيد من تعزيز العلاقات والروابط بين الجانبين، لبناء رابطة مشتركة أكثر قوة وعمقا في كافة المجالات، ومما لا شك فيه "إن مع العسر يسرا".