تسبب تصاعد الصراع العسكري الفلسطيني الإسرائيلي "أكبر صراع منذ سبع سنوات" منذ يوم 10 مايو الجاري في سقوط آلاف الضحايا المدنيين. وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وإسرائيل، بوساطة دولية عن توصلهما إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مساء يوم 20 مايو، ومع ذلك، اشتبكت الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيون مرة أخرى في المسجد الأقصى بالقدس في 21 مايو، اليوم الذي دخل فيه اتفاق وقف إطلاق النار الفلسطيني الإسرائيلي حيز التنفيذ.
وبالرغم من التوصل الى اتفاق وقف إطلاق النار في هذه الجولة من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، لكن الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل في القضية الفلسطينية الاسرائيلية يزيد من صعوبة حل هذه القضية مستقبلاً، كما أنه يضع مخاطر خفية على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وأشارت صحيفة لوموند الفرنسية في افتتاحيتها إلى أن الحكومة الأمريكية "ليس لديها نية في محاولة حل النزاع".
لقد منعت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا مجلس الأمن من إصدار بيان مشترك يدعو فلسطين وإسرائيل إلى وقف إطلاق النار ووقف العنف وحماية المدنيين منذ اندلاع الصراع بين فلسطين وإسرائيل، ما جعل مجلس الأمن يدخل في عزلة غير مسبوقة. بالإضافة إلى ذلك، تعتزم الولايات المتحدة بيع صواريخ دقيقة التوجيه لإسرائيل بقيمة 735 مليون دولار، وهذا بمثابة صب الزيت على التوتر بين فلسطين وإسرائيل، مما أثار إدانة من قبل المجتمع الدولي.
قال سون ده قانغ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة فودان في مقابلة صحفية مع صحيفة الشعب اليومية، إن إلان أمريكا بيع أسلحة دقيقة لإسرائيل في هذه اللحظة الحرجة ترسل إشارة خطأ، حيث سيجعل إسرائيل تعتقد أن الولايات المتحدة تتغاضى عن استمرار عملها العسكري. كما أن الحكومة الأمريكية أكدت دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس فقط في بيانها الدبلوماسي، دون الإشارة الى القلق بشأن الكارثة الإنسانية في فلسطين منذ اندلاع الصراع العسكري الإسرائيلي الفلسطيني، ما يبين انحياز أمريكا إلى جانب واحد.
وأشار محللون إلى أنه على الرغم من أن الحكومة الأمريكية أعربت شفهيًا عن أملها في أن تتوصل فلسطين وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وأن تدعم تسوية القضية الفلسطينية الإسرائيلية من خلال "حل الدولتين"، إلا أنها في الواقع تؤخر ذلك لكسب الوقت حتى تكون النتائج الايجابية للعمليات والأهداف العسكرية الإسرائيلية
كما أشار وانغ جين، الأستاذ المساعد في معهد الشرق الأوسط بجامعة نورث وسترن الصينية، إلى أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل منذ فترة طويلة في القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وأن الحكومة الحالية لم تغير هذا الموقف بشكل جذري." إن الضغوطات التي تمارسها أمريكا على إسرائيل في قضايا مثل القدس الشرقية وبناء المستوطنات اليهودية غير كافية. كما لم تقدم أمريكا لفلسطين الدعم الكافي لحماية حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق ومصالح الأراضي الفلسطينية. وعلى مستوى الأمم المتحدة، منعت أمريكا من جانب واحد قرارات مجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية في مناسبات عديدة ومنعت المجتمع الدولي من المطالبة بالعدالة في القضية الفلسطينية الإسرائيلية."
لماذا أمريكا تتمسك بالدعم الثابت لإسرائيل ولو في مواجهة المجتمع الدولي؟
وأشار صن ده قانغ إلى، أولاً، إسرائيل هي المدافع عن الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. وإن القوى المعادية أمريكا والمناهضة لإسرائيل والغرب هي العدو المشترك لأمريكا واسرائيل، ويمثل منع دول أخرى في الشرق الأوسط من حيازة أسلحة نووية طموحًا مشتركًا لكلا الجانبين. ثانيًا، اليهود الأمريكيون هم رابط العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ويوجد حوالي 5.7 مليون يهودي في أمريكا، وتستخدم الجالية اليهودية السياسة الانتخابية ليكون لها تأثير مهم على اتجاه السياسة الخارجية للحزبين في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وثيقة للغاية. وتأتي الشركات الإسرائيلية في المرتبة الثانية بين الشركات الأجنبية المدرجة في أمريكا، كما أنشأت الشركات الأمريكية الكبيرة متعددة الجنسيات مثل مايكروسوفت، وآبل، وقوقل، مراكز للبحث والتطوير في إسرائيل.
انتشرت الاحتجاجات الغاضبة التي أثارها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى أماكن عديدة حول العالم. وفي الآونة الأخيرة، اندلعت مظاهرات مناهضة لإسرائيل على مختلف المستويات في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية. كما أدانت تركيا وإيران إسرائيل بشدة.
"أدى انحياز أمريكا لإسرائيل إلى تأخير وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشدة، وتسبب في المزيد من الكوارث الإنسانية، ومن ناحية أخرى، زاد من صعوبة حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، امتد التأثير السلبي للصراع إلى دول أخرى، مما أدى إلى تصاعد التناقضات في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مرة أخرى بعد تحسنها العام الماضي، وهو ما لا يفضي إلى السلام والاستقرار في الشرق الأوسط." وأشار صن ده قانغ إلى أنه خلال 70 عامًا من الصراع بين فلسطين وإسرائيل، أدت العلاقة الخاصة بين أمريكا وإسرائيل إلى اختلال توازن القوى في الشرق الأوسط. وفي ظل الخلفية الحالية لإسرائيل القوية وفلسطين الضعيفة، فإن مساعدة أمريكا إسرائيل على استخدام القوة لتعزيز الأمن من خلال بيعها الأسلحة، متجاهلة الإنصاف والعدالة سيقلل حتما من مكانتها في الدول العربية والعالم.
يعتقد وانغ جين أنه لحل مشاكل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يتطلب مساعدة الطرفين بمساعدة المجتمع الدولي. والسعي إلى إيجاد طريق سلمي ودائم وعادل لحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية من خلال الحوار والمفاوضات. ويجب على أمريكا تغيير سياساتها أحادية الجانب والهيمنة، وأن تحترم رغبات ومطالب الأطراف في القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وأن تعمل مع المجتمع الدولي للبحث عن مسار وآلية لتحقيق انفراج في القضية.