طرابلس 19 ديسمبر 2017 / انتخب البرلمان الليبي المنعقد في مدينة طبرق شرقي البلاد اليوم (الثلاثاء)، محمد عبدالسلام الشكري محافظا جديدا لبنك ليبيا المركزي في خطوة قوبلت بالرفض من جانب المجلس الأعلى للدولة الذي أكد معارضته لما وصفه بـ "التصرفات الانفرادية".
فيما اعتبر الصديق الكبير محافظ البنك المركزي التابع لحكومة الوفاق في طرابلس ان الخطوة التي أقدم عليها البرلمان اليوم بتعيين محافظ جديد للبنك مخالفة للاتفاق الذي وقعه الفرقاء الليبيون في مدينة الصخيرات بالمغرب قبل عامين.
ويوجد في ليبيا مصرفان مركزيان الأول في طرابلس يرأسه الصديق الكبير، ويعترف به المجتمع الدولي وتذهب إليه إيرادات النفط، والثاني في البيضاء شرقي البلاد، ويصفه المجتمع الدولي بـ"البنك المركزي الموازي" رافضا الاعتراف به .
وعقد البرلمان جلسة "مكتملة النصاب" اليوم لانتخاب محافظ جديد للمصرف المركزي في ليبيا التي تعاني من انقسام سياسي وأزمة اقتصادية.
وحصل محمد الشكري على 54 صوتا في الانتخابات التي أجريت خلال الجلسة التي حضرها 107 من الأعضاء، بحسب النائب في المجلس فرج عبد الملك.
وقال عبد الملك لوكالة أنباء ((شينخوا)) ان "النواب صوتوا في جلسة مسائية على انتخاب محافظ جديد للبنك المركزي" من بين أربعة مترشحين.
وأضاف أن "الاختيار وقع على محمد عبدالسلام الشكري للمنصب، ليكون المحافظ الوحيد في ليبيا، ويحل محل كل من (المحافظ الحالي للبنك المركزي في البيضاء) علي الحبري و(محافظ البنك المركزي في طرابلس) الصديق الكبير".
وأوضح عبد الملك أن الجلسة حضرها 107 من النواب لتحقق "النصاب القانوني".
وتصدر محمد الشكري قائمة المترشحين بـ 54 صوتا يليه أحمد رجب (38 صوتا) ثم عبدالحميد الشيخي (تسعة أصوات) وأخيرا على الحبري (ثلاثة أصوات) فيما ألغيت ثلاثة أصوات، بحسب عبدالملك.
وطالب البرلماني الليبي جميع الأطراف السياسية بـ"احترام" قرار البرلمان، وتمكين المحافظ الجديد من العمل في المقر الرئيسي للبنك في طرابلس.
ويتمتع محمد الشكري (65 عاما) بخبرة طويلة في مجال العمل المصرفي تصل إلى 40 عاما، وقد شغل مناصب مهمة محليا وعربيا في مؤسسات مالية وبنوك أبرزها منصب نائب محافظ البنك المركزي الليبي في الفترة من 2006 إلى 2011.
كما انتخب البرلمان الليبي اليوم فوزي نويري نائبا أول لرئيسه خلفا للمستقيل محمد شعيب.
وقال النائب فرج عبد الملك لـ (شينخوا) ان النويري فاز بالمنصب بعد جولة تصويت ثانية حصد فيها 59 صوتا فيما حصل منافسه محمد الواعر على 44 صوتا بينما تم الغاء صوتين.
وكان شعيب أعلن استقالته رسميا السبت الماضي بسبب "ظروف خاصة" لم يذكرها في خطاب استقالته الموجه لمكتب رئاسة البرلمان.
وتولى محمد شعيب قيادة لجنة الحوار الممثلة للبرلمان الليبي قبل عامين، وقد وقع نيابة عن البرلمان على وثيقة الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات المغربية عام 2015.
وأجل البرلمان الليبي الاثنين جلسة كانت مقررة لانتخاب محافظ البنك المركزي بعد فشل عملية التصويت نتيجة خلافات بين النواب.
وفي اول تعليق رسمي على القرار، رفض رئيس المجلس الأعلى للدولة عبدالرحمن السويحلي تعيين محافظ جديد من قبل البرلمان.
وقال السويحلي في بيان ان "المجلس الأعلى للدولة يرفض التصرفات الانفرادية"، وشدد على أن المجلس "يتعامل مع مجلس النواب كمؤسسة تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي فقط وتلتزم بنصوصه ولا شرعية لما يتناقض مع ذلك" .
وأكد أن الصديق الكبير "سيبقى في منصبه إلى حين البت بالمناصب السيادية حسب ما جاء في المادة 15 من الاتفاق السياسي".
وتنص المادة الـ 15 من الاتفاق السياسي على أن المناصب السيادية في ليبيا يجب أن يتم اختيار رؤوسائها من قبل لجنة مشتركة من البرلمان ومجلس الدولة.
ودعا السويحلي كافة الأطراف إلى التوقف عما وصفه بـ"العبث" بمصير الوطن.
من جهته، اعتبر الصديق الكبير محافظ البنك المركزي في طرابلس أن تعيين محافظ جديد للبنك من قبل مجلس النواب مخالفة للاتفاق السياسي.
وقال الكبير في بيان ان "المصرف يتمسك بمقتضيات الاتفاق السياسي الذي أصبح بالإرادة الوطنية والاعتراف الدولي المرجعية الأساسية والوحيدة للسلطات وما يصدر عنها من قرارات وهو ما خالفه المجلس في قراره".
وأضاف أن "هذا الموقف ليس تمسكا بالوظيفة ولا دفاعا عن موقع لكنه إلتزام واجب بإحترام وتطبيق الوثيقة المرجعية الأساسية والوحيدة التي تنظم إدارة الدولة وأداء مؤسساتها في هذه المرحلة الحساسة".
وتابع أن "موقف المصرف هذا أتى نأيا به وهو المؤسسة الوطنية الأساسية عن الصراعات والإستقطابات والتجاذبات".
وطمأن البيان الليبيين "بإستمرار مصرف ليبيا المركزي في النهج الذي يحقق سلامة إحتياطياته وأرصدته والتمسك ببرنامج الإصلاح الإقتصادي والمالي الذي سيضمن تقوية الإقتصاد وإستعادة العملة الوطنية قوتها وإستقرارها وصولا لمرحلة الإستقرار السياسي والإقتصادي".
في المقابل، رحب المصرف المركزي شرقي ليبيا بتعيين محافظ جديد للبنك.
وأصدر المصرف بيانا رحب خلاله بتعيين محمد الشكري "محافظا توافقيا" ، ليكون "حجر الأساس واللبنة الأولى نحو توحيد المصرف المركزي ليعود إلى مساره الحقيقي مصرفا جامعا وموحدا لكل الليبيين بعيدا عن التجاذبات لحزبية والسياسية وحكم الفرد".
وتعهد المصرف بأن يكون "يدا داعمة" لمحمد الشكري "ليشق طريقه نحو توحيد المؤسسة النقدية، ووضع الحلول المناسبة للأزمات المالية، التي عصفت بالوطن وأثرت على قوت المواطن اليومي".
وتقلصت احتياطات النقد الأجنبي في ليبيا خلال السنوات الأربع الماضية وتكبدت البلاد خسائر تخطت 140 مليار دولار، بسبب الإغلاق المتكرر لحقول وموانئ النفط وانخفاض أسعار البترول في السوق العالمية.
وتوقعت أوساط ليبية أن تجد خطوة مجلس النواب بانتخاب محافظ جديد للبنك المركزي نصيبا من العوائق.
وقال الخبير المالي فرحات القعود ان "خطة البرلمان اليوم لن تمر بكل تأكيد كونه تعدى علي اختصاص لايملك منه إلا نصفه بحسب المادة الـ 15 من الاتفاق السياسي الذي اعتمده البرلمان نفسه بعد إجراء تعديلات علي بنوده".
وأضاف القعود لـ ((شينخوا)) أن "تلك المادة تجعل من انتخاب مجلس النواب محافظا جديدا للبنك المركزي باطلا باعتبار أن تلك الصفة هي من ضمن المناصب السيادية التي نصت عليها المادة 15 من الاتفاق السياسي".
لكن المستشار القانوني الليبي منير محمد دافع عن خطوة البرلمان المتخذة اليوم قائلا ان "البرلمان هو صاحب الشرعية الدستورية حاليا وهو المخول بتعيين وانتخاب جميع المناصب السيادية مثل المحافظ ورئيس مؤسسة النفط وقائد عام الجيش".
ولفت الخبير القانوني الى أن "ما يسري حاليا في ليبيا هو الإعلان الدستوري (دستور مؤقت تعمل به البلاد منذ 2011) وهو يعطي الصلاحيات للبرلمان وحدة لاتخاذ تلك الخطوة".
وتابع "ان البلاد تمر حاليا بأزمة مالية كبيرة خانقة ولا يصح أن يقف البرلمان الذي انتخب من الشعب متفرجا إلي حين إتمام الاتفاق السياسي الذي سيحتاج لسنوات حتي يتوافق المتصارعون عليه".