تعليق: إيران تختار إستراتيجية "إخفاء الإبرة في القطن " في مفاوضات جنيف الأخيرة

اختتمت جولة مفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني التي استمرت يومين في جنيف مساء يوم 16 أكتوبر الحالي بالتوقيت المحلي. ونيابة عن أطراف التفاوض، قرأت المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون ورئيسة المفاوضات في مؤتمر صحفي مقتضب، أول بيان مشترك يصدر منذ بداية عقد المفاوضات النووية الإيرانية. وأكد البيان تقديم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اقتراحات جديدة بشأن برنامجها النووي، وتعتقد الدول الست الأخرى المشاركة في المفاوضات أن المقترحات تساهم في تعزيز المحادثات النووية.

وقد أكد المسئولون في إيران على سرية المقترحات لحين التوصل إلى اتفاق ،إلا أن وكالة أنباء الطلبة الإيرانية نقلت ما ذكره نائب وزير الخارجية الإيراني و كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي عباس عراقجي بشان محتوى البرنامج الجديد الذي قدمته إيران ، بما في ذلك مواصلة طهران أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، والاحتفاظ بمفاعلات النووية، وإمكانية الغرب الإشراف على البرنامج النووي الإيراني من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان شفافيتها، والسماح للمفتشين إجراء عمليات تفتيش مفاجئة للمواقع النووية الإيرانية. وفي نفس الوقت، سيتم تعيين لجنة مراقبة تتكون من ممثلين من الدول الست وإيران للإشراف على تنفيذ البرنامج. ويتعين على الجانبين التوصل إلى اتفاق في إطار زمني محدد. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لم يكشف عن هويته أن هذه المرة الأولى التي يناقش فيها الجانبان قضية النووي الإيراني من الناحية الفنية.

ووفقا لتقارير وسائل الإعلام الإيرانية، تنقسم المبادرة إلى ثلاث مراحل: مبدأ شامل، تدابير محددة، اتفاق نهائي، وإذا توصل الطرفان إلى اتفاق على المرحلة الأولى، فإنه يعني الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم.

وبالرغم من أن البرنامج الذي قدمته إيران ايجابي، إلا انه لم يقدم أي تنازلات فيما يتعلق بالمسألة النووية. وقال عباس عراقجي يوم 13 أكتوبر الحالي أن أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية سوف تطغي على الجولة الجديدة من المفاوضات النووية الإيرانية، ولكن بلاده لن تنقل اليورانيوم المخصب، أو تتوقف عن أنشطة تخصيب اليورانيوم، وأنّ "تخصيب اليورانيوم "خط أحمر" بالنسبة للإيرانيين، وإنّهم لن يتهاونون في ذرة من الحقوق الإيرانية التي تتماشى مع القوانين الدولية.

ويعتقد بعض المحللين أن إيران اتخذت إستراتيجية إخفاء الإبرة في القطن في المحادثات الجديدة، من ناحية، اخذ زمام المبادرة واقتراح برنامج مسبق لحل القضية النووية الإيرانية، الليونة السياسية في علاقاتها مع الغرب، ومحاولة لمحو مخاوفهم وتبديد شكوكهم،والسماح للدول الست رؤية الأمل في حل المسألة النووية الإيرانية، وبالتالي السيطرة على عملية التفاوض، ومنه تخفيف العقوبات الدولية والفوز بفضاء لتحقيق التنمية. ومن ناحية أخرى، فإن دفاع إيران القوي عن حقوقها النووية يشير أيضا إلى مبادئها ومواقفها في التفاوض وسعيها لكسب المزيد من أوراق المساومة.

قال يين قانغ الباحث في معهد دراسات شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن المحادثات الايرانية النووية في جنيف هذه المرة مختلفة عن سابقاتها. في شهر فبراير عام 2003، أثار إعلان الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمني عن أن أنشطة تخصيب اليورانيوم شأن خاص " القضية النووية الإيرانية". وبعد مرور 10 سنوات، بلغت التكنولوجيا النووية الإيرانية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج قضبان الوقود النووي المخصب، محققة معلما وأهداف استخدام المدني للطاقة النووية. وفي نفس الوقت، خضعت إيران إلى عقوبات دولية موسعة من مجال التكنولوجيا النووية امتدت لمشاريع الوقود الأحفوري، وعانت إيران من ضربة اقتصادية ثقيلة أثرت كثيرا في مستوى معيشة الشعب.

كسبت إيران الكثير خلال 10 سنوات من اللعبة، ولكن خطر الحرب كان أيضا على مقربة من النقطة الحرجة. وعلى هذا الأساس أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي،أن تطوير الأسلحة النووية لا يتوافق مع روح الإسلام، وبالتالي إعطاء الحق التخلي عن تطوير البرنامج النووي الإيراني، وتهيئة الظروف للتسوية السياسية.

ويطالب المجتمع الدولي إيران بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، ولم يذكر أبدا حق إيران في استخدام السلمي للطاقة النووية، وإنما منعها من تطوير الأسلحة النووية. وإذا نجحت إيران في تقديم ضمانات عدم تطوير الأسلحة النووية ، وتنفيذ الالتزامات المناسبة، فإنه لا توجد أي عقبة أمام رفع العقوبات.

بالطبع، لا يمكن حل هذه المشكلة من خلال التفاوض مرتين فقط، حيث أن عملية التفاوض سوف تكون صعبة جدا. وبالرغم من أن إسرائيل ودول عربية معينة قلقة من أن يتم تبديد أوراق كثيرة خلال المفاوضات،و وجوب تنفيذ سلسلة من الإجراءات، ويكون هناك صعود وهبوط لدرجة غير متوقعة، إلا أن اتجاه لتبني «الحل السياسي» من خلال المفاوضات لا رجعة فيه.

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/